«لا يمكننا أن نتبين ما يحاصرنا، ويسجننا أحياناً ويقودنا الى نهايتنا، لكن نستطيع أن نحس بهذه القيود وهذه الأسرار!».
فان جوخ
تتمايل الخطوط الأولى، بشهقة الباطن التشكيلي، أما الخطوط الظاهرة، فتتغمر بشهقة الرحلة المفتوحة للرموز الغريبة والمنغلقة المعاني، بازدواج وتشابك محوري، بتململ هنا وبتغنج هناك، وقد تختلف بالخواء تارة، وقد تتمتع بالتفاصيل المحببة تارة أخرى.
إن الخراب الجمالي بالفن التشكيلي قائم على مزاجية «التخطيط»، قبيل سطوة الألوان الشهوانية بمكانة السطح التخطيطي للمادة الفنية بامتزاج غير عادي، وبحبكة مراوغة للمساحات الأولية، تكون اما بالتنفيذ أو بالشروع بالتمرن الأولي على الخريطة الفنية وإن صح القول على اللوحة الفنية.
وهذا «التخطيط المقدس»، غالباً، ما يهمل أمره بعد تلقيح الألوان بالرسم، ونادراً، ما يذكر أمره، عند قراءة الفلسفة الجمالية لكونه المعرفي ومكانته الأساسية لروح الفن، يكون ذلك، عند احداث إنقلاب برؤى اللوحة آنذاك، وتقاطع مداخيل التأويلات بمقدمات «التخطيط» من دون اللون.
وعلى رغم التطور الابداعي، بجوانب شتى وظهور النزعات الفنية، المستحدثة من الحداثية، والتي تراوح خطى الفنانين، بسيرورة الفلسفة الجديدة لكل طبقة من الفن، بتكنيك جديد يتناسب مع المنظور المنهجي المحدد من جهة، والقيم العليا لمبادئ اللون من جهة أخرى، فإن «التخطيط» يزعزع كل تصميم بهذا العصر الحديث بفوضى لونية وخطية، فلم يعد مجرد «تخطيط» بكلمة لفظية، بل انحلال لفلسفة تستنبط وتستنتج الوشائج الأساسية لها.
قطعاً، لم يكتسح التخطيط الساحة الفنية، من لا شيء، إنما أرسى بظله بتنوع الطفرة الفنية للتصميمات الهندسية والطباعية والمعمارية، ما أدى الى خلق واختلاق، درجات مختلفة للقيمة الحقيقية «للتخطيط»، وبتفاعل عميق وضيق لمكامن الخطوط اللونية بعد اكتسائها الملابس الأولى «للتخطيط».
طبعاً، لن يكترث الغالبية أو الأقلية لهذا «التخطيط»، أثناء وبعد انشاء العمل الفني، سواء كان من منحوتات أو جداريات أو الأعمال الزيتية، التى تتطلب جهداً إضافياً للشروع بها، ولاسيما أنها وثائق شرعية لهذا العمل الفني، الذي يهدر قيمته بتراجع الرسومات الأولية، بطريقة أو بأخرى.
ولابد من الإشارة إلى أن هذا «التخطيط» أو «الإسكيتش» هو فن مستقل بذاته، وامتداد للوحة أخرى وليدة للظرف الزماني والنفسي للفنان، إلا أن كثيراً من الرسومات تنفذ مباشرة وبتلقائية، على اللوحة من دون «التخطيط»، وذلك اما أن يكون بآلية منعكسة للأفكار الثرية، أو باحتراف تخطيطي لهذا التصوف الطبيعي
العدد 1392 - الأربعاء 28 يونيو 2006م الموافق 01 جمادى الآخرة 1427هـ