يا ترى هل سنسمع يوماً عن إنتاج فيلم بمسمى «إسلاميك كود» على غرار «دافنشي كود»، يتناول التاريخ الإسلامي من زاوية مختلفة عن تلك التي نظر إليها فيلم «الرسالة» مثلاً، بالاعتماد على مزيج بين الواقع المختلف عليه والمثبت في تاريخ وتراث المسلمين فعلاً، وبين خيال الإنتاج السينمائي، وكيف ستكون حينها ردة فعل علماء الدين والشرائح الإسلامية.
طرح عليّ هذا السؤال في جلسة جمعتني بإخوتي لتناول شئون الفيلم الذي أخرجه رون هوارد، وقبل مشاهدتي الفيلم كنت اطلعت على فكرة رواية شفرة دافنشي للروائي دان براون، التي تعد الآن من أكثر الكتب مبيعاً في العالم، وحينما سنحت لي الفرصة لمشاهدة الفيلم وجدت أنه اتسم ببعض الإبهام عموماً، إلى الدرجة التي تجعل المتابع العادي يضيع وسط الغموض الذي يكتنف حوادثه وحواراته، ولا يستطيع تفكيك هذه الطلاسم إلا من كان له اطلاع على خفايا المسيحية وتاريخها.
من خلال مشاهدة واحدة أحسست أن الفيلم يناغي أفكار وأحلام بعض المسلمين الذين يخوضون في البحوث الإلهية والدراسات الدينية المقارنة، ويعطيهم - بتصوّرهم - مؤشرات أو شهادات ولو غير مباشرة من العالم المسيحي نفسه على شعور متنام بتناقض أو بخلل في المسيحية المنتشرة الآن، إلى الدرجة التي دفعت أحدهم إلى القول: «لابد أن الرواية بجرأتها تكشف عن الكثير من التناقض الذي بدأ مثقفو المسيحية يشعرون به وفسرته رواية شيفرة دافنشي. وما النتائج التي وصل إليها براون عن هذا العصر إلا دعوات وجهها القرآن الكريم منذ قرون خلت إلى أهل الكتاب النصارى واليهود».
وذلك الجانب تحديداً هو ما حرصت على متابعة الإشارات التي تحيل إليه. فقد وردت إشارات في الفيلم إلى بعض القضايا التي تمت إلى عالم الكنيسة الخفي بمعتقداته وصراعاته ومؤامرات رجالاته، ففيما يوجد ثلة من رجال الدين الأوفياء (لا يمكن غض النظر عنهم)، نجد فئة أكبر تستحل كثيراً من الأساليب في سبيل إبقاء السطوة الدينية على الشارع، واستثمارها لصالح الواقع الكنسي، وهذه الفكرة نجدها واضحة في إشارات متعددة بالقرآن الكريم إلى ذلك الواقع.
إن الفيلم عبارة عن رواية بوليسية تحدثت عن باحث أكاديمي يسعى لحل ألغاز مخبأة في أعمال دينية لرسام شهير اعتماداً على إشارات تاريخية كثيرة، تلك الإشارات اختلف على ثبوتها من عدمه في العالم المسيحي نفسه، ومن هذه القضايا الخلافية الأناجيل الأخرى (غير المعترف بها كنسياً)، زواج المسيح، ألوهيته أو بشريته، ماهية مريم المجدلية، أثر «مجمع فينيقة» على مصير المسيحية ومعتقداتها. ووصل الفيلم بنا إلى إدراك أن وجود تلك الإشارات يعطي صورة مغايرة للمألوف ومخالفة له تماماً، وليس بعيداً أثر حوادث تاريخية في إحداث انقلاب مفهومي، منها كشف وثائق قمران بالبحر الميت والعثور على نسخة من إنجيل ينسب ليهوذا «الخائن».
وفي هذه النقطة ليس غريباً أن نرى قريباً أفلاماً تقرأ تاريخ الديانة الإسلامية من واقع مختلف تماماً عن المألوف، لتعطي صورة أخرى بناء على مؤشرات تاريخية غامضة ومختلف عليها، ولعل قضية الجزيرة الخضراء التي أثبتها العلامة المجلسي (القرن هـ) في «بحار الأنوار» وما تلا ذلك من كتب نسجت صورة لواقع مجتمع متمدن ومتقدم روحانياً وعلمياً يعيش في مثلث برمودا وزواج المهدي وقضايا أخرى نواة شاهدة على إمكان إنتاج «إسلاميك كود» يبحث في تلك الإشارات الخفية والغامضة، ليصوغ منها فيلماً أو كتاباً.
قد تثير تلك الأفلام ضجة وجدلاً لا ينتهيان بانتهاء وقت عرض الفيلم في دور السينما، ومع كل تلك الضجة يبقى ذلك «الممنوع» الأعلى إيراداً والأكثر حضوراً
العدد 1391 - الثلثاء 27 يونيو 2006م الموافق 30 جمادى الأولى 1427هـ