العدد 1390 - الإثنين 26 يونيو 2006م الموافق 29 جمادى الأولى 1427هـ

التمثيل النسبي قد يخلق ديمقراطيات فاشلة

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

ويزيد الأمر سوءاً بتقدم كل حزب للترشح على المستوى القومي إذ تحدد مرشحيه قوائم تسيطر عليها آليات كل حزب - وهي عادة من رجال الحرس القديم من أصحاب المحسوبية والضغائن. فيضع هؤلاء العجائز أسماءهم على قمة القائمة بينما يأتي الأصغر سناً في ذيلها لو وافق رؤساؤهم على وجودهم أصلاً. وإذا فاز الحزب بأربعين مقعداً بالكونغرس يقع الاختيار على الأسماء الأربعين الأولى بالقائمة. ويتوطن الفساد ويحظى بالحماية إذ لا يتمكن الناخبون من استبعاد مرشح فرد. وطالما فاز الحزب بخمسة في المئة من الأصوات فإن عجائزه المتربعين على قمة القائمة ستكون لهم دائماً مقاعد في الكونغرس ويحددون من يوضع معهم بالقوائم. وفي نظم الحكم النيابي يتلو ذلك تصويت الائتلاف الفائز لأحد أكبر زعمائهم سناً ليتولى رئاسة الوزراء.

وتعد فنزويلا مثالاً واضحاً في هذا الصدد، وتعتبر نموذجاً للنظم في أميركا اللاتينية. فمن سبعينات القرن العشرين وحتى التسعينات نجد أن كارلوس أندريه بيريس ورافائيل كالديرا فاز كل منهما برئاسة الجمهورية مرتين إذ لم يكن للناخبين أي اختيار آخر: فرفض أحدهما معناه فوز الآخر. وفى غمار يسهم للخلاص من الأحزاب الفاسدة، غير الكفؤة، الجامدة، والقديمة، صوتوا لصالح المنظر اليساري والرئيس الحالي هوجو تشافيز.

وتمثل حكومة «إسرائيل» نموذجاً آخر للتمثيل النسبي على المستوى القومي. فبإمكان أي حزب أن يفوز بمقاعد في الكنيست إذا فاز بما لا يزيد على , في المئة من أصوات الناخبين على المستوى القومي، أي بعدد , صوت. ويعطي النظام قوة كبيرة للأحزاب الدينية - وهي أقلية محدودة -فتحصل على نحو في المئة من الأصوات. وباعتبارهم المعسكر المتأرجح الذي يمكن أن يتحالف مع حزب العمال أو مع الليكود لتشكيل حكومة، فلهم سلطة سياسية كبيرة تصل إلى حد إعفائهم من الخدمة العسكرية، وكثير منهم لا يعملون ولا يدفعون ضرائب.

وقليل من الدول تعمل بها نظم التمثيل النسبي بشكل جيد، كالدول الاسكندنافية، وحديثاً سلوفاكيا، مثلاً. إلا أن هذه الدول إما أنها متجانسة إثنياً وصغيرة للحد التي يمكن الحكومة فيها من التفاعل محلياً أو أنها حديثة العهد إذ لم يضمر البرلمان فيها بعد ولم يصب بعد بالشلل الذي أصاب حكومات التمثيل النسبي الأقدم. ويلاحظ في الوقت نفسه أن ديمقراطيات شرق آسيا الناجحة (والهند) لا تعتمد نظام التمثيل النسبي، ولو أن بعضها يعتمد نظاماً مختلطاً إذ يتم انتخاب نسبة إلى في المئة من أعضاء المجالس التشريعية بنظام التمثيل النسبي. أما البرلمان الروسي (الدوما) فيتم انتخاب في المئة من أعضائه بنظام التمثيل النسبي، والمكسيك في المئة. وتعد شيلي من دول أميركا اللاتينية القلائل التي لا تعتمد هذا النظام.

تحدثت وزير مالية نيوزيلندا السابقة ومهندسة حرية السوق والرخاء بتلك الدولة روث ريتشاردسون في أوائل التسعينات، في مؤتمر أقامه معهد كيتو العام الماضي بموسكو، وقالت إن الكثير من الدول التي «ابتليت بنظام التمثيل النسبي» تتسم بالسوء النوعي للسياسات العامة وتواجه مصاعب جمة في إقرار إصلاحات ناجحة. واستشهدت بأوروبا الغربية كمثال إذ ثبت عجزها - باستثناء بريطانيا - عن إصلاح قوانين العمل الجامدة والأنظمة الطاردة للأعمال التجارية المبادرة.

وتناول العالم الاقتصادي البيروفي الفذ هرناندو دي سوتو، أيضاً هذه المشكلة في كتابه بعنوان «الطريق الآخر» إذ يرى أن الديمقراطية تنجح بصورة أفضل في الدول الأنجلوساكسونية لأنها لا تعتمد نظام التمثيل النسبي.

يقول المحلل الأوروبي فرانك جلوديك في رسالة إلى سينترال يوروب ريفيو بتاريخ مايو/ أيار : «إن التمثيل النسبي له خطره في أية دولة تعاني تقسيمات إثنية أو إيديولوجية أو دينية، فهو يدفع الناس للتصويت وفقاً لهذه القواعد المستقرة سلفاً بغض النظر عن مدى درايتهم بما إذا كانت هدامة، وعن إيثارهم لغيرها. حتى هامش الخمسة في المئة من الأصوات اللازم لأي حزب لكي يحتل مقاعد بالبرلمان ليست عقبة أمام هذه الأنماط الانتخابية وتأثيرها السلبي».

لماذا؟ لأنك حين تعتمد نظام التمثيل النسبي عليك أن تفترض أن الآخرين سيصوتون بناءً على الخلفية الإثنية، ما يضعك في موضع المخاطرة. والسبيل الوحيد لكي تحمي نفسك هو أن تفعل بالمثل .

وفي ظل نظام التمثيل النسبي، نرى كيف أن سلوبودان ميلوسوفيتش أصبح سلطة رئيسية من خلال نسبة خسيسة تبلغ في المئة من الأصوات في صربيا.

إن نظام التمثيل النسبي لا يساعد على توحيد الشعوب والأمم المتباينة الكثيرة بشكل فعال، فهو بطبيعته ميال إلى التطرف، وعدم الاستقرار، وعدم الاعتدال، والفشل.

#كاتب وإذاعي أميركي، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1390 - الإثنين 26 يونيو 2006م الموافق 29 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً