العدد 139 - الأربعاء 22 يناير 2003م الموافق 19 ذي القعدة 1423هـ

حوادث رأس السنة الميلادية في رحاب صاحبة الجلالة

يوسف البوري comments [at] alwasatnews.com

ترتبط قدرة النظم السياسية على التكيف بمدى كفاءة وفاعلية التغيير السياسي وتبرز أهمية التغيير السياسي في الواقع الديمقراطي بوصفه الحلقة المركزية والاساسية ذات التأثير الواضح على مجمل التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذا العصر، الامر الذي لابد إن يؤثر على عملية التغيير السياسي من حيث الدوافع المتحركة للتغيير ومن حيث مضمون التغيير السياسي اللازم وطبيعته ومداه ووسائل تحقيقه. فالنظام الديمقراطي بقدر ما يعطي للانسان العادي اعتباره السياسي والاجتماعي فإنه يمنح المثقفين فرصة كي تنمو لديهم الواقعية والموضوعية التي تعني القدرة على كشف الحقيقة ايا كانت مرارتها والاعتناء بالمواطن ايا كان حسبه ونسبه ومذهبه وموقعه والتصدي لأي ظلم يقع عليه ومقاومة الفساد بشتى انواعه، بعيدا عن التشعبات، سنبقى قرب الهدف المنشود وسنرصد نموذجا مهما يليق بها كصاحبة للجلالة وكسلطة رابعة، ألا وهي الصحافة وبالتحديد صحافتنا المحلية. فمنذ بدء المشروع الاصلاحي كنا نأمل من الصحافة ان تخلع اثواب الماضي القريب التي تحجب عنها الرؤية وتحد من قدراتها وتتخلص من المنظور الآسر الذي صاغته طوال السنوات الغابرة وان تتبنى منهجية موضوعية واقعية هادفة تعيد ثقة المواطن بها بإزالة ترسبات وشوائب الماضي. ولعل ترك الحبل على الغارب والاستفراد بشخصنة معينة واحتواء منظومة عقيمة الجدوى وبعيدة الافق عن طبيعتنا البحرينية اعطى لعدد كبير من الكتاب اصحاب الاهواء المختلفة والمنتمين للأطياف الفكرية المتنوعة دورا مغايرا اوجد عدم الوضوح في قضايانا الداخلية بحيث انقسم المجتمع بأكمله إلى مجاميع لآراء متنوعة متناقضة هشة سهلة الانتقال من رأي إلى آخر وسريع الاقتناع بهذا الآخر حتى ولو كان متناقضا مع ما تتبناه.

فمازلنا نؤمن بأن الصحافة هي لسان الشعب وهي المرآة التي من خلالها تتصرف الشعوب الاخرى بنا، فعليها ان تعكس الصورة الحسنة اللائقة كي تترك انطباعا جيدا يكون موضع احترام الآخرين لنا.

ولنأخذ الصحافة السعودية مثالا، فعلى رغم ان اكثر المتورطين في حوادث 11 سبتمبر/ ايلول هم من السعوديين على رغم من مئات السعوديين الذين تحتجزهم الولايات المتحدة إضافة إلى الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الشقيقة السعودية من قبل الاعلام الاميركي، إلا ان الصحافة السعودية تسجل موقفا مشرفا بدفاعها المستميت والمتواصل عن الشعب السعودي.

غير ان الامر مختلف لدينا، مقالات كثيرة في صحف عربية نالت وهاجمت الشعب البحريني، فكانت لها بعض صحفنا عونا وسندا إذ تسابقت في نشرها في اليوم التالي وبشكل ملفت للنظر الغريب في الامر إن هناك صحفا عربيا اشادت بروح وحيوية الشعب البحريني وحيّت فيه الموقف الشجاع وتفانيه في خدمة قضايا امته لكن صحفنا المحترمة غضت الطرف عنها. ناهيك عن مقالات كثيرة نشرت ايام المطالب الشعبية، نالت من شعبنا العزيز ووصمته بشتى انواع التهم وشككت في اصالته وولائه لتراب هذا الوطن، اخجل ان اقول انها نشرت في صحف عربية. لمصلحة من هذه الازدواجية؟ وهل بات علينا أن نصدق ما يشاع عن أن صحفنا تبحث عن إهانة وليس عن إشادة؟

وهنا يلوح سؤال، هل اهانة الشعب رفعة للحكومة أو لطرف آخر؟، ألسنا في البحرين نشكل نسيجا واحدا يحتوي كل محاور الائتلاف ولايزال - على رغم المغرضين - يحمل في طياته طاقات جاهزة تنتظر من يستغلها، ولكن يبدو ان البعض لايجيد سوى العزف على وتر واحد ولا يحبذون سوى النغمة الواهية التي تزعج الكثيرين. فنظرة سريعة وخاطفة لواقعنا الاعلامي وما تروجه بعض الاقلام في بعض زوايا الوطن لا تشعرك بأننا ننعم بحياة برلمانية ونعيش أجواء ديمقراطية بل تشعر وكأنك تعيش فترة الاحتقان التسعيني البائد، فحين استبشرنا بإلغاء قانون أمن الدولة، اتضح لنا ما هو الاخطر من ذلك وهو عقلية أمن الدولة التي لاتزال تعشعش وتستهوي من ادمنوا على التملق والتطبيل وأرادوا للآخرين أن يطلبوا معهم، حولوا الصحافة من منبر يخاطب منه الرأي العام الحكومة إلى العكس فصحافتنا تجيش لرأي واحد وهي تعيش حال تعبئة تحشد الناس حول السياسات بدلا من ان تدعوهم للمشاركة في وضعها وتشجعهم على الحوار من حولها. لذلك فليس من المستغرب أن يستغلوا حادثة شغب المعارض المرفوضة والمدانة جملة وتفصيلا في بث سمومهم وإيقاع الوقعية بين الشعب وقيادته فهذا ديدنهم ومن هذه الوقائع يقتاتون وقد تعودنا على هذه الوجوه التي لا تُرى إلا عند كل سوء.

فمقالاتهم في الايام المنصرمة جاءت لتعبر عن عقدة الكراهية تجاه القرية البحرينية، التي يصورونها كأنها غول ينبع منه الشر والتخريب. فمن يدعي بأن أهل القرى كانوا وراء هذا الشغب المرفوض؟ متى كانت عبثيات وغوغائيات الانترنت يعتد بها حتى تكون منطلقا لمهاجمة قلة بعينها والافتراء عليها؟ وعلى من يدعي ان النية كانت مبيتة بدليل المنشورات التي وزعت عليهم والتي جاءت بهم من كل حدب وصوب.

إن البواعث الحقيقية التي تقف وراء هذه المهاترات، باتت مكشوفة وإن ادعى اصحابها انهم من حماة الوحدة الوطنية. إن من تشنعون بهم وتخونونهم وتزايدون على ولائهم لوطنهم ولقيادتهم لهم ارفع من هذا الحضيض الذي تتنسمون وارحب من هذا المضيق الذي تتوهمون.

لقد ازعجهم الموقف الشعبي الذي اجمع على رفض ما حدث من تجاوزات تهدد المسيرة التنموية والحضارية كما ازعجتهم اللهجة في التعامل مع الحادث بحكمة باعتباره موضوعا جنائيا له اسبابه الاجتماعية، وهو يحدث في الكثير من الدول الديمقراطية.

إنني على يقين أن وعي شعبنا وحضاريته قادر على امتصاص هذه الظاهرة وسينطلق مع الركب الاصلاحي الذي اختاره بإرادته مهما تفننت الاقلام المشبوهة عبر اطروحاتها البالية وتنكرت لتاريخنا واصالتنا فسنبقى نعتز بكل قلم يمسك به من اجل الوحدة والاصلاح والتغيير لانه القلم الذي يقسم به البارئ عز وجل في قوله تعالى:

(ن والقلم وما يسطرون) القلم /1

العدد 139 - الأربعاء 22 يناير 2003م الموافق 19 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً