الاجتهاد الذي خرج به بعض علماء الدين في الكويت والسعودية بتحريم تشكيل الاحزاب السياسية والانضمام اليها، جاء إضافة جديدة للمواقف والفتاوى التي تصدر لوأد بناء أسس المجتمع المدني، الذي يقوم على احترام الرأي الآخر، وحرية التعبير، والمعارضة السلمية.
بالتأكيد هذه الفتاوى جاءت رد فعل للدعوات المتزايدة في الكويت بتقنين الأحزاب والتي وصلت بمداها إلى أبعد حد، فها هو رئيس السلطة التشريعية جاسم الخرافي يطالب بضرورة القبول بتقنين الأحزاب وهو كان رافضاً للفكرة من قبل، ومن قبل أطلق تجمع سلفي على نفسه اسم «حزب الأمة»، وقبل ذلك طالبت الحركة الدستورية الإسلامية (الاخوان) بتشريع للأحزاب. كما ان الكثير من الكيانات السياسية في الكويت تمارس نشاطها تحت مسميات تنظيمية حزبية مختلفة.
ومع ذلك، حاول بعض الشيوخ من السلفيين تأصيل هذه الفتوى، وانتهوا إلى تأثيم من يشارك في الأحزاب «بشكل مطلق»، وتبديع من يدعوا لها، وتجريم من يساهم في إشاعتها!
قد ينسجم هذا الرأي (الشرعي) الآن مع موقف الحكومة الكويتية التي لا تريد حالياً التشريع للأحزاب السياسية، لكن مع أجواء الانفتاح التي تسود المنطقة والكويت، يتبدل القانون، ويتغير الموقف الرسمي، فما يكون حال الفتوى؟
نعم، هناك نمط من الاجتهاد الفقهي، هو فعلاً معوق للانفتاح على متغيرات العصر، وبالتالي أصبح هذا الفقه عقبة كأداء أمام الإصلاح السياسي، وبالتالي فهو صار كالعصي التي توضع في دولاب التطوير السياسي والاجتماعي في بلادنا.
في هذا السياق، تأتي الرؤية من مسألة الديمقراطية، واعتبار الشورى كبديل إسلامي، وما يعني ذلك في اجتهاد أولئك، إنها مجرد «مشورة» غير ملزمة، وتناصح مع ولاة الأمر، وتعيين ورفض الانتخاب، وتحريم تشكيل الأحزاب السياسية، ونقض لحق المرأة في المشاركة السياسية، وما إلى ذلك من الفتاوى المقيدة للحريات.
حاكم المطيري وهو من الرموز السلفية المنفتحة في الكويت، كتب أخيراً كتابا عنونه «الحرية أو الطوفان»، وما قال فيه من مبررات وضع كتابه، أن الناس أصبحوا يدعون إلى دين إن لم يكن ممسوخاً مشوهاً فهو ناقص لا تصلح عليه أمة ولا تستقيم عليه ملّة، بل هو أغلال وآصار الإسلام منها براء...».
ويتساءل حاكم في مقدمة كتابه: «لم لم يعد أكثر علماء الإسلام ودعاته يهتمون بحقوق الإنسان وحريته والعدالة الاجتماعية والمساواة... إلخ، وهي المبادئ التي طالما دعا إليها النبي الأعظم (ص) وهو في مكة، وأكدها في المدينة، وهي التي أدت إلى سرعة انتشار الإسلام في العالم كله».
ولعل هذا الاجتهاد هو المطلوب اليوم أن يأخذ مساره في الفكر السلفي، كما أصبح على درجة عالية من النضج في الكثير من المدارس الإسلامية، فواقع الأمة لا يحتمل فقه البدع والتبديع، بل الأمة بحاجة إلى فقه الإنسان وحريته وكرامته ومشاركته في الحياة العامة، فهل يبدأ هذا الفقه مسيرته، أم سيتحطم على أعتاب الجمود والتطرف والمصالح المشتركة؟
في دراستي التي كتبتها عن الإمام علي (ع) بعنوان: «محراب السياسة»، رأيت أن الحريات السياسية في حكومة الإمام علي هي الضابط الرئيسي لإيقاع الحياة السياسية، وهي تعتبر في نهج علي (ع) ثوابت أساسية جاء النظام لتكريسها وتأكيدها كأصول لا يمكن المس بها مهما كانت الظروف والوقائع، ولا يقبل فيها أية أعذار وتبريرات.
كما لاحظت أن الإمام علي (ع) سمح للمعارضة بالتكتل والتنظيم، من دون أن يتخذ ضدها إجراء قمعياً أو يمنعها. ولعل دراسة دقيقة للتاريخ الاسلامي في مراحله الأولى يزيل اللبس الذي يقع فيه الكثير من المفتين في منطقتنا
العدد 1389 - الأحد 25 يونيو 2006م الموافق 28 جمادى الأولى 1427هـ