العدد 1385 - الأربعاء 21 يونيو 2006م الموافق 24 جمادى الأولى 1427هـ

آخر ما سكن فيه

جعفر الديري comments [at] alwasatnews.com

عندما يموت الفنان لا تختفي تحت ملاءته تلك الشفافية التي كانت تميزه والتي كان يرى من خلالها الأشياء بل انها ترتسم قوية على ملامح من حضر موته. يموت الفنان وأصابعه لا تفتأ تتحرك باحثة عن ريشته فهو لا يموت كما يموت الآخرون بل ان آخر ما يموت فيه أصابعه.

أرأيتم الطفل الصغير ينظر إلى الأشياء من حواليه فلا يتحسسها من دون أن يضعها في فيه، كذلك شأن الفنان الذي يتحسس لغة الأشياء من خلال أصابعه. فكيف لو كان كفيفاً لا يتذكر من الوجود غير صوره وألوانه التي تتراقص أمام ناظريه وكيف لو أنه رأى الوجود رؤيا العين ثم انتقل إلى عالم آخر لا يشعر فيه بالوجود الا من خلال ما تتحسه خيالاته. انه ساعتها يكون محظوظاً لأنه فنان ليس ككل الناس فالأصابع التي طالما قبضت على الوجود براحتيها والتي رسمته على الورق عالماً آخر ستظل وفية له حضرته في حياته وها هي تحضره عند موته.

وناصر اليوسف الذي استظل بالحياة وكان أحد أبنائها البررة الذين أبدعوا فيها وتغنوا بجمالها لم يكن كما هو عهد الآخرين بل كان الرجل العاشق الذي كانت وسيلته لمحبوبته أصابعه حينما تمتد وكأن سحراً يغشاها لتخلق من الورق ما يخلده الزمان.

إن ناصر اليوسف الذي ودعته البحرين الجمعة الماضية كان لا يبرح سجيناً بمحض إرادته في عالمه الذي أسره بألوانه وظلاله ولكن كان حراً في مساحة الحياة التي انطلق فيها فنه الجميل. وما من حي كان يتأمل أصابعه وهي تعقد السحر من الورق! الا وأحس أن ناصر كان على موعد مع كل بديع وجميل. كان السحر يتسرب طريا من بين أصابعه وكأنه كان يختصر الحياة في أشكال وألوان ورؤى لم تبرح مخيلة المحترف البحريني التي دخلها منذ نعومة أظفاره سوسنة تحاول أن تطاول عنان السماء. سوسنة غذاها ليل نهار وسهر عليها حتى استوت نخلة باسقة وتفرعت إلى لوحات حفظتها القلوب قبل العيون في خيوط متموجة من الحكايات والمواويل في فضاء لعب فيه باتقان

العدد 1385 - الأربعاء 21 يونيو 2006م الموافق 24 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً