هل من الإنصاف أن نشتم الإرهابيين في حين نتغافل عن الأسباب التي أدت إلى الإرهاب، مع أنه لحد الساعة لم يتم الاتفاق على تفسير جامع مانع لمصطلح الإرهاب؟! وكحال الكثير من الكتاب، كأنهم يدعكون الملابس في «الطشت» دونما النظر إلى أسباب اتساخها وحملها للقاذورات. هكذا تكون المعالجات معتلة اعتلالاً منطقياً فاقعاً.
فإذا كنا ننقد ما قاله حامد العلي أو حاكم المطيري بشأن الزرقاوي، فلماذا لا ننقد ما قاله ياسر الحبيب، أو ما يفعله «أبودرع» من مجازر يومية بشعة؛ إذ يتم وضع رؤوس الضحايا في علب الموز! ووصلتني على الايميل بعض الصور لأحد الضحايا وقد كتب على جبهته «وهابي»!
الإدانة يجب أن تكون جهورة ومنطقية وبحجم الفعل، فإزهاق الأرواح البريئة جزاؤه عند الله كبير، والفعل الجبان في تفجير مدرسة أو حسينية أو مأتم يستهدف تجمعاً «شيعياً» من اخواننا من أهل القبلة، يجب إدانته بالصوت الجهور. وبالموازاة مع ذلك، يجب إدانة المجازر التي يتم ارتكابها بحق أهل «السنة والجماعة» وبالصوت الجهور أيضاً... وإلا أصبح ميزان العدل مختلاً، وشائبة الاعتلال فاقعة لا تخطئها العين. وبالتالي أصبحنا إزاء منظار الطائفية، أي كمن يرى القذاة في عين أبناء الطائفة الأخرى ولا يرى الجذع في عين أبناء طائفته!
الجرائم التي ترتكب اليوم في العراق، تارة من قبل جماعة «الزرقاوي» وأخرى بيد السفاح «أبودرع»، أو «فرق الموت» التي اعترف الجيش الأميركي بوجودها كما اعترف «صولاغ» سابقاً بمكافحتها، وأخيراً رئيس الوزراء جواد المالكي أعلن أنه سيفككها... كل هذه الجرائم لا تخدم أبناء العراق، ولا أبناء المنطقة، ولا أبناء الوطن العربي، ولا تخدم تقدم ونماء المجتمع العراقي. ويبدو انها، أضحت اليوم، لا تخدم الاحتلال الأميركي نفسه، الذي هيأ لها الأرضية سابقاً!
كمتابع، بلغت من الحال الطائفية المزرية التي نعاني منها، إلى حد أن يكون معيار الحكم لدي على الكتاب، أي كاتب، أصبح لعن جماعة «الزرقاوي» بالموازاة مع «فرق الموت»، وأي لعن مخل بهذا الشرط، أي شرط الموازاة، أفسره لصالح الملعون وضد اللاعن! أي ببساطة هي طائفية تبيح القتل على الهوية ضد جماعة، وتحرمه ضد جماعة أخرى!
ليس الفقه «السني» فقه إرهاب والفقه «الشيعي» فقه تآلف، أو العكس، بل الاثنان فيهما من هذا وذاك، وإن أردت الإطالة فابحث عن «مفاتيح الجنان» التي كان يتسلمها المدفوعون إلى الجبهة الإيرانية - العراقية ابان الحرب! وتأمل أيها القارئ الكريم فيما جرى للطائرة «الجابرية»، كما تأمل قليلاً في تفجير السفارة الأميركية في بيروت العام... تأمل، وسترى أن الفقه الشيعي تماماً كما هو الفقه السني مزيج من هذا وذاك! وللعلماء إمكان ومساحة في الحرمة كما في التحليل.
إذاً، المطلوب هو إدانة القتل والتدمير القائم على الهوية، ووقف المجازر الطائفية، ووقف الخطابات التحريضية، وطرح خطاب إسلامي موحد بين مختلف الطوائف ينبذ العنف ويرفض إقصاء الآخر. وهكذا يكون الرد على أدب الإرهاب
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1384 - الثلثاء 20 يونيو 2006م الموافق 23 جمادى الأولى 1427هـ