العدد 1382 - الأحد 18 يونيو 2006م الموافق 21 جمادى الأولى 1427هـ

مهارات السلم الأهلي ومهارة حسن الاختلاف

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

يفتح الصيف بإجازته المديدة أبواب الإعلانات على مصاريعها، فتتدفق الإعلانات الفضائية بغزارة، وتفرد الصحف مساحاتها الواسعة لعشرات الصور الإعلانية، وتبدأ المدارس الأهلية ومراكز التدريب ومعاهد التأهيل والتطوير بمزاحمة الشوارع والمنازل بإعلاناتها الجاذبة، وتتميز عن جميع ذلك (في فصل الصيف الملتهب) الإعلانات السياحية بما فيها رسائل الجوال الداعية إلى قضاء إجازة عائلية استكشافية جميلة.

من الإعلانات التي اصطادتها يدي دورات لرفع المهارات الكمبيوترية واللغوية، وأربع أوراق لمؤسسة واحدة أذكر منها إعلانين، الأول عن مهارة تزهير المنزل، والثاني عن فن استخدام المكياج، قرأت هذين الإعلانين وأنا متوقف عند إحدى الإشارات، وحين انطلقت السيارة وانشغلت بقيادتها، سرحت أفكر لماذا لا تكون عندنا مهارات من نوع آخر؟ نعلن عنها، وندفع باتجاهاتها ونشجع أبناءنا عليها، تماما كالبرامج الربحية التي يعلن عنها الآخرون؟.

إن هناك الكثير من المهارات التي تنقصنا (والكمال لله) ويمكننا أن نجبر هذا النقص ونتحداه، إذا همت نفوسنا وانتفضت إراداتنا، وتحركنا بصدق لتطوير تلك المواهب.

إن بإمكاننا في هذا الصيف أن نكثف برامجنا الأهلية والرسمية، الثقافية منها والدينية، ونكرسها في سبيل تنمية الإنسان والارتقاء به، وتذكيره بمهارات وقيم ربما تسارعت الحوادث وهي تدعوه لمسخها والبراءة منها والتماس التبريرات بمختلف ألوانها ونكهاتها لتبرير هذا الانزلاق والتباعد بينه وبينها.

إننا الآن أحوج من أي وقت أدبر وتولى لننهض بالمجتمع ونحن نذاكره بقيمه ومكانته وخلقه وتعاليم دينه وبنبيه محمد (ص) الذي أشار الله سبحانه وتعالى إليه بقوله «وانك لعلى خلق عظيم»(الفلم:)، سأحاول في هذه الأسطر المحدودة أن أشير من دون استرسال إلى بعض المهارات التي تنتهي نتائجها لصالح المجتمع برمته وباختلاف أطيافه وهي:

- تنمية مهارة القراءة والاطلاع لمعرفة أي موضوع مختلف عليه وفيه، وعن الأمور الغامضة علينا، والآراء والأفكار المجهولة لدينا، حتى يكون المجتمع عارفا ببعضه، وواعيا لمنطلقات شرائحه، ومستوعبا للدوافع والعلل التي تحرك أطيافه في مختلف شئونها الحياتية والأخروية.

إن هذا النوع من القراءات المنفتحة يساعد كثيرا في إزالة الالتباسات ويطهر الذهن من الترسبات المتراكمة ويحفزه على التماس العذر والمعقولية للصادر والمنبعث عن الآخر، على صعيد القول والفعل.

إنني أدعو لقراءة لا تستبطن المحاجة ولا البحث عن الخلل والفجوة بل هي إلى اتجاه المعرفة والعلم بالشيء ألصق وأقرب.

- تنمية القدرة على الشراكة والتعاون، ولنبدأ من اصغر الأمور وأقلها شأنا، كما يمكننا أن ننطلق بداية بمن نعرفهم وتربطنا بهم علاقات متميزة. لقد أصبحنا في زمن يحل الأخوة شراكتهم ليستقل كل بحصته وينطلق وحيدا في زحمة الحياة ومعتركاتها. إن القدرة على التعاون حال إيجابية من حالات النفس المنطلقة، ويمكن تقويتها بالتدريب والتعويد لتصبح حالاً إنسانية يمكن أن تفعال وتنتج من دون حواجز ومن ودون فوارق وتميزات.

- ترويج الخير والنظرة الإيجابية عن الآخرين، وهي مهارة من أهم المهارات فلا يوجد شيء في هذا الكون كامل إلا الله سبحانه وتعالى، وما عداه يعتريه النقص، وبشكل أدق كماله نسبي ومحدود، وذلك يعني أن إمكان القدح والذم واردة وإمكان تصيد السلبية متاحة لكن ذلك يصب في خانة كرهها القرآن الكريم إلينا بقوله تعالى: «إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدينا والاخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون»(النور:).

ليس صعبا أن يتحدث الإنسان عن إيجابيات الآخرين أفرادا كانوا أو كيانات بسلبياتهم مع اعتقاده بسلبياتهم وأخطائهم، بيد أن هذه السهولة لا تصبح مألوفة لدى النفس ما لم تكرر التعامل معها وتؤكده يوميا، في مختلف الظروف ومع مختلف الناس ، وهو ما يحتاج إلى تدريب وتنمية وتطوير.

- مهارة حسن الظن: وهي مهارة قرآنية: «يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم». (الحجرات:) ومصاديق هذه المهارة أكثر من أن تعد لأنها تشمل كل تفاصيل الحياة وأوجهها وشئونها المختلفة.

وليس بعيدا القول إننا أجدبنا اليوم قراءات الماورائيات للخطابات والكتابات والمواقف، واستنطقنا الكثير منها بحسب ما تشتهيه أهواؤنا وتوجهاتنا، ثم حملنا الخطابات والكلمات وحتى المواقف السياسية ما لا تطيق ولا تحتمل.

- تنمية مهارة حسن الاختلاف: أن تختلف مع الآخرين ولا تتوافق معهم أو لا تنسجم مع برامجهم وتطلعاتهم وحركتهم على أرض الواقع فهذا سنة من سنن الحياة، وهي ليست مشكلة قائمة، بل هي واقع تفرضه نواميس الكون المرتبطة بحكمة الله سبحانه وتعالى، وبالتالي تكون اشكالات الاختلاف القائمة على أرض الواقع نتاجا لعدم التعامل السليم والبناء من قبلنا لتلك السنة الكونية الضرورية والحيوية.

نحن يمكننا أن نتعلم الاختلاف مع الآخرين دون المساس بأشخاصهم، ونستطيع التدرب على اختلاف لا يمنع من التلاقي في أماكن التوافق والتطابق، ونقدر على ممارسة الاختلاف من دون أن نضطر إلى طرد أحد من دينه ومبادئه التي يعليها ويؤمن بها، ولنا طاقة على ممارسة الاختلاف من دون أن تنشحن أنفسنا على بعضها بعضاً. نحن نحتاج فقط أن نعتاد الاختلاف ونمارسه في حدود القيم والوصايا الدينية، ونتفاعل معه في إطار كبير وجامع هو احترام الإنسان وعقله وحرية رأيه

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1382 - الأحد 18 يونيو 2006م الموافق 21 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً