الصومال... هذا البلد العربي الإسلامي يتمزق مرة أخرى إلى أشلاء أمام أعين الجميع، خمسة عشر عاماً من الفوضى لم تكفه ليتصارع الفرقاء على أجساد الضعفاء. سيطرت المجموعة المسلحة «المحاكم الشرعية الإسلامية» على مقديشو الخراب، بينما سيطرت الحكومة الجديدة على مدينة بيدوا وأحكم أمراء الحرب قبضتهم على مدينة جوهر.

وعلى رغم أن رئيس الوزراء الجديد استبشر خيراً ووصف سيطرة المحاكم على مقديشو بأنه خطوة نحو الاستقرار، إلا أن القوى الإقليمية والدولية لا تريد تقدما للإسلاميين في هذه المنطقة الاستراتيجية. فالولايات المتحدة تقف إلى جانب الزعماء القبليين وتقول إن سيطرة المحاكم من شأنه إقامة دولة دينية على غرار «طالبان» ما يوفر لتنظيم «القاعدة» الحصول على قواعد آمنة يستطيع من خلالها نشر ما تصفه واشنطن بثقافة العنف في شرق افريقيا ويلقي بتداعيات خطيرة على الوضع في اليمن والسعودية، اللتين لن يتطلب الوصول إليهما سوى ركوب زورق وعبور البحر الأحمر.

وعلى رغم أن المحاكم الشرعية تجد الدعم من غالبية شرائح المجتمع المدني والمثقفين، وأن لبعضها برنامجاً وطنياً يهدف إلى إنشاء كيان قومي، إلا أن بعضها الآخر يعطي الأولوية لمصالح القبائل التي ينتمي إليها وهو ذات المأزق الذي يقع فيه أمراء الحرب القبليين.

وهكذا يجد الصومال نفسه بين سندان المحاكم ومطرقة القبائل وكابوس المجاعة بعد أن استبشر الجميع بولادة حكومة بذلت فيها جهود إقليمية مضنية حتى رأت النور في نيروبي ولكن في ظل غياب الدعم العربي المباشر ذهبت كل تلك المساعي أدراج الرياح ليعود الوضع إلى المربع الأول.

الآن وبعد أن تذكرت الإدارة الأميركية ما حل بقواتها العام في هذا البلد، وأدركت فشلها في التدخل المباشر لصالح أمراء الحرب، فان دعوتها إلى مؤتمر دولي يعقد في نيويورك للوصول إلى اتفاق سلام هي خطوة في الاتجاه الصحيح من شأنها إعطاء بصيص أمل في رؤية دولة ذات سيادة في ربوع هذه المنطقة ولكن يتطلب الأمر أيضاً جهودا إقليمية من الدول العربية والافريقية حتى يكتمل بناء تلك الدولة