العدد 1375 - الأحد 11 يونيو 2006م الموافق 14 جمادى الأولى 1427هـ

إيران تغفو على قيظ... وتصحو على ثلج (-)

حسن أحمد عبدالله comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المحافظون... الاصلاحيون... المفاعل النووي... المقاطعة الاقتصادية والعقوبات المتوقعة... إلى غير ذلك ما تسمعه عن إيران من الخارج يكاد يكون إلى حد ما غير ما هو موضع اهتمام الشعب الإيراني في الداخل. فطهران التي هي الآن محط أنظار العالم تعيش حياتها العادية بعيداً عن الضوضاء التي تعج بها وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم.

تكاد تكون طهران بالنسبة إلى شريحة كبرى من القاطنين فيها مدينة خارج العالم، فالشباب لا يهمهم من أمر الضجيج المثار بشأن المخاوف من امتلاك دولتهم سلاحاً نووياً إلا مسألة واحدة وهي الحق في أن يكون لديهم سلاحاً «يدافعون به عن أنفسهم»، فهذا ما يقوله مهدي الذي سرعان ما يعود إلى مذياع السيارة ليرفع صوته قليلاً وهو يستمع إلى الأغاني الصاخبة، اسأله «هل هذه الأغاني تذاع من محطات الإذاعة المحلية؟ فيجيب: «لا، إنها مسجلة على أشرطة وتباع في الأسواق».


شعب من الشباب

نسبة كبيرة من الشعب الإيراني البالغ تعداده مليون نسمة هم من الشباب، إذ تصل النسبة إلى في المئة، وهؤلاء غالبيتهم ولدت في ظل الحكم الثوري، وغالبيتهم أخذتها موجة انتشار المحطات التلفزيونية الفضائية التي تبث كل ما هو ممنوع بثه في محطات التلفزيون الإيرانية.

على رغم أن جميع المرشحين للانتخابات في إيران كانوا دائما يركزون في برامجهم على هذه الفئة، إلا ان الصدمة كانت بالنسبة للشبيبة الإيرانية في عدم تحقيق أي من الوعود التي أطلقت في الحملات الانتخابية في السنوات العشر الماضية، ولذلك يقول أحد طلاب الجامعة: «لم يتحقق في عهد الرئيس خاتمي ما كان يحلم به الشباب الذين اقترعوا لصالحه، ولهذا لم تشارك الغالبية منهم في الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد».

ويضيف: «هذا الأمر أدى إلى أن يكسب المحافظون الانتخابات لأنهم شاركوا بكثافة في ظل غياب القوة الشابة التي كانت تؤيد تيار الاصلاح في البلاد». ويصر على عدم إعلان اسمه ويردف قائلاً: «كل ما نريده أن يعرف الشباب كيف هو مستقبلهم فالوعود لم تعد تطعم الناس خبزا».

التقليد للموضة الحديثة جزء من التمرد الذي يعيشه الشباب في كل المجتمعات، وفي إيران الأمر ذاته ينطبق على الشباب، فالشعر الطويل يكاد يكون الصفة الغالبة عند نسبة لا بأس بها من الشباب، والثياب المزركشة الألوان تطغى على كل ما عداها. صورة الشاب الإيراني المتجهم المنشغل بالمسألة الثورية والتعبئة والايديولوجيا ليست هي الطاغية. هؤلاء ليسوا كثراً في الشارع، حتى التشدد الذي أعلن عنه أخيراً فيما يتعلق بالحجاب ليس أكثر من مادة إعلامية أثيرت في وقتٍ ما، لكنها لم تصل إلى حد التنفيذ الحازم، ففي شارع «وليعصر»، أشهر شوارع طهران، تلمح بعض النساء يسرن في الشارع وسقط الحجاب من على رؤوسهن ولا أحد يحرك ساكناً. بل أحياناً تمر إحداهن من جانب الشرطي من دون أن يبادر إلى الطلب منها لتعديل حجابها. بناطيل الجينز الموضة الأكثر انتشاراً بين الشبيبة، فغالبية الفتيات ترتدين بنطال جينز وقميصاً متوسط الطول وتلف رأسها بمنديل لا يغطي إلا القليل من شعرها.


هاجس الهجرة والمستقبل

حين زرت طهران قبل سنوات كانت هذه المدينة لاتزال تعبّر عن الثورة أكثر ما هي عليه الآن. نسبة ارتداء «التشادور» كانت أعلى من الآن، والأمر الوحيد الذي تسمعه منذ سنوات حتى الآن هو البحث عن فرصة عمل في الخارج. الهجرة هاجس غالبية الشباب، فالمستقبل بكل مصاعبه هاجس الجميع. انهم ككل الشباب في العالم الثالث، يبحثون عن المسكن والزوجة وفرصة العمل والدخل المناسب... والحرية التي يتوقون إليها. انها تلك الحرية التي يراها الشاب والفتاة في حرية اللبس وحرية الاستماع إلى الاغاني ومشاهدة ما يريد وحرية الحديث بعيداً عن أية محاذير.

نسبة البطالة عالية بين الشباب في إيران على رغم اعتماد الموازنة العامة بنسبة في المئة منها على النفط وعلى رغم الارتفاع الهائل لسعر برميل النفط على مستوى العالم، إلا ان إيران تبقى من الدول التي تعاني من ضيق فرص العمل لعدم وجود استثمارات تلبي حاجة السوق. ويلعب الحصار المفروض منذ العام دوراً كبيراً في كبح المشروعات التي تكاد تكون غالبيتها خدمية محدودة لا تشكل سوقاً حقيقية للعمل.

الدراسات الرسمية حددت خط الفقر في إيران بحدود ألف تومان دخلاً شهرياً (ما يعادل دولاراً أميركياً) وهذا يعني ان العائلة النموذجية (المؤلفة من خمسة افراد) تعيش في حدود الكفاف وتتخلى عن الكثير من المتطلبات العادية.

مع ضيق رقعة فرص العمل هناك نسبة كبيرة من خريجي الجامعات لا يجدون وظائف ما يدفعهم أحياناً إلى اكمال دراساتهم العليا ودراسة تخصصات جديدة لإشغال وقت فراغهم. زهراء واحدة من اللواتي تخرجن من الجامعة قبل أعوام من كلية الحقوق والعلوم السياسية، وهي الآن تدرس الأدب الإنجليزي بعد ان حازت اجازة جامعية بالحقوق إضافة إلى اجازتها بالعلوم السياسية. تقول زهراء: «ماذا افعل إذا جلست في البيت؟ لقد تخرجت منذ سنوات ولم أجد عملاً فاضطررت إلى دراسة الحقوق وتخرجت قبل سنتين ولم أجد عملاً، وقبلها كنت درست العلوم السياسية والآن سجلت لأدرس الادب الإنجليزي».

أما زميلتها التي أسمت نفسها منور تقول: «انا الآن على اعتاب مناقشة اطروحة دكتوراه عن ادب اميركا اللاتينية في عهد الفترة الثورية... أخترت بعض النماذج من الادباء في تلك المنطقة من العالم وعكفت على دراستهم، لكن من يهتم بهذا النوع من الدراسات؟».


تعلم العربية للتبرك والتقارب

في المقابل هناك اقبال كبير على تعلم اللغة العربية التي هي اللغة الرسمية الثانية في البلاد طبقاً إلى نص دستوري، في هذا الشأن يقول رئيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية آية الله الشيخ محمد علي التسخيري: «إن الشاه المقبور عمل على ايجاد ثغرة بين الفرس والعرب واطلق حملة اسماها حملة تطهير اللغة الفارسية من العوالق العربية، لكن الثورة الإسلامية جعلت اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم اللغة الرسمية الثانية في الدستور، وبالتالي تعلم اللغة العربية من أجل فهم أعمق للقرآن، ومن أجل زيادة أواصر القربى بيننا وبين الشعوب العربية التي نجتمع معها تحت راية الإسلام».

وبالعودة إلى معاناة عدم الحصول على الوظيفة المناسبة نجد انها تطال نسبة كبيرة من الشباب الذي يتطلع إلى غد أفضل... فكيف يكون هذا الغد؟ لا يريد بعضهم الخوض فيه الآن، فقط يهمه الحصول على ما يعتبره من ضروريات الرفاهية والدلالة على المكانة المرموقة في المجتمع، من هاتف نقال وسيارة وفتاة مناسبة وملابس عصرية، إضافة إلى المال الذي يمكنه من ممارسة حياته كشابٍ.

في المقابل هناك صورة أخرى، الصورة الموجودة في كل المجتمعات التي تعاني من أزمات مالية وهي العيش على الحلم وممارسة الحياة بما هو متاح، فهذا حسين حاجي يجلس إلى جانب صديقته في الحديقة العامة وحين يرمي مرافقي عليه السلام لا يكاد يهتم كثيراً لنا. هو غارق في حديث هادئ من حركات يديه وتعابير وجهه، فتعرف ان الحديث فيه من الحميمية ما يلبي حاجة الشاب في مثل هذا العمر إلى التعبير عن نفسه.

«دوربند» منطقة مرتفعة في شمال طهران تكثر فيها المتنزهات والمطاعم، وهدير ماء النهر يضفي على المكان شيئاً من الجمال والرومانسية. هنا يمكن أن تستعيد بعض الاساطير الفارسية القديمة، وحكايات العشق والجمال والطبيعة الخلابة، يقول علي: «في فصل الشتاء تتحول المنطقة إلى ما يشبه مدارج التزلج، فأنت تستطيع ايقاف سيارتك في أسفل المنطقة وتسير على الثلج إلى الأعلى، وفي المنطقة غير المأهولة من دوربند يكون التزلج الرياضة الوحيدة... انها متعة».

ربما ليس في إمكان زائر هذه المدينة التي يصل تعداد سكانها إلى نحو مليون نسمة ان يلم بكل تفاصيل المدينة في شهر، فكيف إذا كانت الزيارة لثلاثة أيام مزدحمة بالمواعيد والنشاطات الرسمية؟


التنمية والسلاح النووي

يقول أحد السياسيين الذي رفض إعلان اسمه منتقداً الحكم الجديد في إيران: «لا ندري إلى اين يأخذون الشعب... نتمنى أن يعودوا إلى رشدهم... ان البلاد تعاني من ضائقة اقتصادية كبيرة واذا استمر الحال على هذا النحو ربما تفقد الثورة كل المكاسب التي تحققت؟».

اسأله: هل تتحدث في ذلك عما يثار بشأن المفاعل واتجاه إيران لامتلاك السلاح النووي؟ يجيب: أولاً مشروع الطاقة النووية ليس جديداً ومن حقنا ان تكون لدينا طاقة رخيصة تساعد في التنمية، كما ان الحديث عن السعي الإيراني إلى امتلاك سلاح نووي ليس دقيقاً وهو يدخل في إطار الحملة التي تشنها قوى الاستكبار العالمي على إيران منذ انتصار الثورة. نحن نسعى إلى طاقة تساعدنا في التنمية ولسنا نسعى إلى سلاح نووي. ولنفترض ان إيران امتلكت سلاحاً نووياً اليس هذا من حقها كما هو حق لكل دول العالم»؟

العدد 1375 - الأحد 11 يونيو 2006م الموافق 14 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً