لم تكد تبدأ جلسة النواب حتى طلب صاحبنا الإذن بالكلام من رئاسة المجلس فكان له ما أراد، وقف صاحبنا متأهبا لإطلاق تصريحاته النارية المعهودة، تراه مستأسداً يواجه ممثلي الحكومة بكل صراحة، يقول للوزير علانية: أنت تخالف القانون، ويتهمه بالتستر على أوجه الفساد المستشرية في مفاصل وزارته، محنك في كلماته، منمق في أسلوبه، يمتلك قدرة عالية على صف الكلمات جنباً إلى جنب. وبعد أن يشعر بأن الجولة قد انتهت لصالحه، وأن عدسات الصحافة والإعلام التقطت له الصور التاريخية التي سترفع من حظوظه في أوساط ناخبيه، يجلس في مقعده وكأنه فأر عاد إلى جحره.
لم ينته المشهد، فصاحبنا المسكين، وبعد تلك الثورة الخادعة والخطبة المصطنعة، يقف في اليوم التالي مرتدياً بشته الذي عطره برائحة البخور على باب الوزير، لماذا؟، طبعاً ليس الهدف من ذلك هو مطالبة الوزير بوقف الفساد المستشري في وزارته، بل لتقبيل «خشمه» والاعتذار منه عما بدر في الجلسة التي لم تكن إلا لعبة قام بها ذاك النائب ليظهر في موقف البطل أمام الصحافة والإعلام.
هذه الفئة من النواب «الدخيلة على العمل النيابي» ابتليت بها تجربتنا البرلمانية الوليدة في مهدها الأول، تراهم مستأسدين في قاعة المجلس كأنهم فرسان في ساحات الوغى، متصلبين في مواقفهم، غير أنهم ما يلبثون أن ينهاروا ويتراجعوا عن مواقفهم عندما يلتقون بالمسئولين، وكفاهم قدراً «تقبيل الخشوم».
على أعتاب التجربة الانتخابية للبرلمان المقبل، لا مناص أمام الجماهير إلا أن تراجع »وبدقة» أداء ممثليها تحت قبة البرلمان، فالكثيرون عازمون على خوض الانتخابات، ولكن يبقى أمام الناخبين الخيار الصعب بدعم المرشح الكفء، ممن يسعون إلى مصلحة الوطن بعيداً عن المصالح الشخصية والوقوف على أبواب الوزراء لتقبيل «الخشوم»
العدد 1374 - السبت 10 يونيو 2006م الموافق 13 جمادى الأولى 1427هـ