إن خبر مقتل الزرقاي يساوي خبر اعتقال صدام حسين. حتى الاهتمام التلفزيوني ومتابعة المشاهدين يوحي بذلك، فصدام اعتاد على قتل أبناء العراق، فكان ضحاياه مئات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، كما جرد آلافا أخرى من الجنسية ومن ممارسة حقوقهم الوطنية... أما الزرقاوي فكان يقتل يومياً وعلى مدار الساعة عشرات من أبناء العراق من الشيوخ والنساء والأطفال. الاثنان كانا يقتلان الشعب ويتكلمان ضد الأميركان. الفارق الوحيد بينهما هو ان صدام مارس الطائفية في الخفاء، بينما تحدث عنها الزرقاوي في العلن ومارسها في القتل، وكان يشجع علناً ويعمل على قتل الناس على الهوية. قتل الأكراد والشيعة والأشوريين والمسحيين وغيرهم، ووعد مناصريه بمستقبل غير سار للعراق. ولعل شريطه الصوتي الأخير، الذي نشر في موقع على شبكة الانترنت يوم الخميس الماضي، الذي دعا من خلاله المسلمين السنة إلى نبذ أية مصالحة مع الشيعة «الكفرة» وتهجم على المرجع الديني السيدالسيستاني، وقال: «فيا أهل السنة أفيقوا واستعدوا لدفع سموم الرافضة التي كانت تلدغكم وتسومكم سوء العذاب منذ احتلال العراق وإلى يومنا هذا. وكفاكم من دعاة ترك الطائفية والوحدة الوطنية»، ولا يحتاج الأمر إلى التدقيق في إجرام الزرقاوي وعنصريته.
ومن دون شك، إن مقتل الزرقاوي سيشكل نقطة انعطاف على المستوى الأمني، وهو رسالة واضحة أن إرادة الشعب الذي انتخب ممثليه في انتخابات حرة، ستتغلب على كل المصاعب، وان نهاية الإرهاب قادمة تماماً، كما جاءت نهاية الديكتاتورية. لكن وباعتراف نوري المالكي ان مقتله كان نتيجة تعاون الشعب مع قوات الشرطة العراقية، والقوات متعددة الجنسيات، وليس بالامكان انكار دور مخابرات الدول الإقليمية في هذه العملية النوعية. فمشاركة الشعب تدخل للمرة الأولى في قاموس الملف الأمني، ولهذا الدخول استحقاقات، فالشعب الذي يريد أن يودع الارهاب يستحق المكافأة والعيش بهدوء، وأن تهتم به الدولة، وتؤمن له ولأبنائه الوظائف ومقومات الحياة.
إن عملية قتل صاحب الرسالة «الفتنوية» (الزرقاوي) أثبتت ان الحل لا يتم عبر إجراءات أمنية ما لم تكن متوازنة ومدروسة تسيء إلى العملية السياسية أكثر مما تخدمها. ويرى البعض ان التعبئة الجماهيرية وإحساس الناس بمسئوليتهم تجاه ما يحدث هو العلاج الأمثل للحالة، لكن هذا لا يحدث إلا عبر تأمين الحياة اليومية للناس.
الزرقاوي الذي قتل بمعونة الشعب، وكان يحتقر الكل، دفع أنصاره لتوزيع المنشورات في مدينة الموصل المتعددة الأعراق التي دعت «سكان المدينة من القومية الكردية إلى مغادرتها وإلا نزل بهم العقاب». وفي الحقيقة كان الأكراد والشيعة والمسيحيون (الكلدان والأشوريون) يشكون منذ فترة طويلة من تعرضهم للقتل على الهوية، ولم يكن بوسع الطبقة السياسية العراقية فعل أي شيء. والأوضاع الأمنية تتدهور يوما وراء يوم بسبب الشروخ الموجودة بين الكتل السياسية والخلافات التي لم تحل بعد. مقتل الزرقاوي الذي كان بشرى سارة للشعب العراقي يجب أن تنعكس على الأوضاع السياسية إيجابياً، ويجب ان تتخطى الحكومة العراقية الأزمات، إذ تسود الآن أزمة اجتماعية قبل الأزمة السياسية الذي كان مصدرها أفعال الزرقاوي. العراق الذي تلفه الأزمات، وهو مازال غارقاً في أزمات أمنية سياسية اجتماعية واقتصادية عميقة، يحتاج إلى برنامج حكومي جدي وفاعل حتى يستطيع تجاوز محنته. نعم، إن العراق اليوم سعيد وسيكون سعيداً أكثر عندما يرون بأنهم يعيشون بأمان ويعيشون في دولة تنطبق عليها كل مقومات الدولة... الدولة التي تكون للشعب كله
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1373 - الجمعة 09 يونيو 2006م الموافق 12 جمادى الأولى 1427هـ