كانت رائحة التآمر تفوح منذ أشهر وقبل وقوع الحادث الذي كان مفاده طبعاً شق وحدة الصف والتوجه نحو التكتل الطائفي وتقسيم الغنائم على المحاربين كل بحسب نصيبه على رغم أن بعضهم لم يكن له أي دور في الحرب، وقد كان التوزيع نابعاً من مبدأ حق الغالبية في تحديد المصير وإلغاء الآخرين غير المنتمين لتلك التكتلات وعدم الاكتراث بآرائهم وتصوراتهم التي قد تكون انضج بكثير مما يطرحونه وداعية إلى التوافق والوحدة، إلا أن ذلك لا يتلاءم مع من يسعى إلى اغتنام اكبر قدر من الغنائم من دون إشراك من حارب معه.
تراهم يتقاسمون بشكل فاضح وأليم لأن مبدأهم في التقسيم لم يكن هدفه معرفة الكفاءات التي من خلالها يمكن للعقل أن يقيم وبعدها يؤسس كياناً متيناً مبنياً على أسس قوية مبتعدة كل البعد عن المحاصصات المدمرة، فما فعله أمراء الطوائف في تلك الطاولة المستديرة التي دارت فيها وبكل وضوح مؤامرة التقسيم لم يكن سوى زيادة للتوتر الطائفي وتكريس مبدأ المنافسة غير الشريفة لأن المبدأ كان مبنياً على أن الطائفة التي تمثل الأكثرية هي وحدها من ترسم الدرب من دون إشراك للآخرين حتى ولو كان الدرب سيرسم بشكل شائك، وبالتالي فإن ذلك سيفتح المجال لزيادة التكتلات الطائفية لنصرة كل طائفة من اجل السيطرة على كل الغنائم ولن يذيب النزاعات كما قد يتصورون.
في الواقع فإن النزاعات لن تذوب بهذه الطريقة، بل كان الأجدى بالأمراء أن يضعوا برنامجاً وطنياً تنضوي تحته جميع الفئات، ويكون المعيار الأساسي فيه هو الكفاءة لا الطائفة، ما يؤدي إلى إتاحة الفرصة لجميع الكفاءات لإثبات نفسها وبهذا فلن تكسر الطاقات الشبابية لتحل مكانها الشللية المميتة.
وتظهر لك من بين تلك الأجواء إحدى التكتلات التي استطاعت استغلال خلافات الآخرين ونسجت تحالفاتها بناء على تلك الخلافات للوصول إلى مبتغاها من دون النظر إلى المصلحة العامة التي كانت تستدعي إذابة الخلافات لا استغلالها وزيادة توترها والدعوة إلى الوحدة لا الإلغاء والتهميش.
وعلى رغم انتصار مخطط الأمراء في الاستيلاء على كل شيء، فإنهم هزموا من جانب آخر هزيمة جعلتهم يفكرون ألف مرة، فقد كانت هزيمتهم عندما تخلى بعض ممثليهم عن هذه المؤامرة وتمردهم على هذا الوضع المقزز أثناء التقسيم، فالمعادلة اختلفت عما كانوا يتوقعونه على رغم تحقق مبتغاهم.
هذه صورة معبرة عن واقع وهي غير محددة المكان والزمان، ولكنها موجودة معنا في هذا الزمان وهي بمثابة مشهد من مشاهد المجتمع التي بدأت تتزايد بشكل ملحوظ في أوساط الشباب، وما ينبغي علينا فعله هو نبذ كل هذه الصور، حتى لا تكون الطائفية أولا ولا تكون الإرادة الطائفية بل تكون هناك إرادة حقيقية تدعو إلى وحدة وطنية
العدد 1368 - الأحد 04 يونيو 2006م الموافق 07 جمادى الأولى 1427هـ