الأخبار الصادرة بالأمس تقول إن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية... قسم المدينة المنورة... داهموا أحد أوكار السحر والشعوذة وتفاجأوا بوجود امرأة إفريقية (شديدة السواد) وهي عارية تماماً... هم يقولون إنها ساحرة إفريقية، لأنها رفضت محاولتهم لتغطيتها بملحف السرير ومن ثم طارت مثل العصفورة واختفت من الغرفة وسط ذهول أكثر من عشرين شخصاً من أفراد الهيئة... أثناء بحث أعضاء الهيئة عن الساحرة الطائرة في جميع طوابق البناية التي هاجموها، فوجئوا بأحد المواطنين (مرتديا البيجاما) يطلب النجدة لأن الساحرة الإفريقية العارية سقطت على أولاده النائمين من سقف الحجرة... دخلوا المنزل وألقوا القبض عليها.

أنا حالي من حال الناس الذين قرأوا الخبر بالأمس... وسرحت بالتفكير في جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية) والذين يوجدون بكثرة في أسواق المنطقة الشرقية للملكة العربية السعودية، وبالخصوص أمام البحرينيين في أوقات الصلاة... رجال ضخام الجثة، لابسين أثواباً تصل إلى تحت الركبة بسنتمترات معدودة، لهم لحي كبيرة ومميزة، ولديهم أرجل عريضة ولافة إلى الداخل وعليها نعل نجدية عريضة جداً، وكل واحد منهم يمسك بيده اليمين عصا طويلة (خيزرانة) وبيده اليسار مسواك كبير (كأنه جذع نخلة) ويلعب فيه على أسنانه وهو يتمصمص.

هؤلاء البشر وظيفتهم الرئيسية هي حث الناس (وبالقوة المفرطة) على الصلاة، وهم يستخدمون في ذلك أياديهم والعصي... ولهم وظائف وصلاحيات أخرى كثيرة ومتعددة تحاول السلطات الرسمية في الوقت الحاضر أن تحد منها وتختصرها، وذلك بعدما كثرت عليهم شكاوي المواطنين الآمنين في المملكة، وما الذي حصل لهم في المدينة المنورة إلا درس يبين مدى سعة الخيال الموجود في عقولهم.

تصور معي إفريقية عارية تماماً، والسؤال هو لماذا هي عارية أمام النساء؟... وموجودة في غرفة بها عشرون امرأة أخرى، ويهجم عليهم عدد عشرين رجلاً من جماعة المسواك (جذع النخلة) ومع الحسبة أصبح لدينا عدد 41 شخصاً في غرفة واحدة، كيف؟... ثم يقولون إنها تحولت (بقدرة قادر) إلى عصفورة تطير، والسؤال هو كيف تمكنوا من رؤية إفريقية شديدة السواد وهي عارية تماماً، ومن أية زاوية تمت رؤيتها؟... أصلاً من المستحيل رؤيتها وهي بدون ملابس حتى مع استخدام الكشافات القوية، إلا في حالة واحدة وهي عندما تضحك وتبان أسنانها البيضاء تلمع، هذا ممكن..

لكن لكي تضحك الساحرة العارية فإنها تحتاج إلى نكتة قوية تتبدل فيها الأجواء الهجومية والهلع والصراخ، والمشكلة الآن هي من من المهاجمين الأشداء (جماعة المسواك الكبير) الذي توجد لديه روح الفكاهة؟ من منهم صاحب الدم الخفيف؟ أعتقد الجواب على السؤال يعرفه الجميع ولاداعي لذكره هنا... طيب مادام كذلك إذن هم لم يروا هذه السيدة المزعومة إلا في مخيلتهم، وأعتقد بأن الذي رآه هؤلاء القوم هو غراب معشش في الغرفة فهجموا عليه وطار هو خوفاً وجزعاً منهم.

طار الغراب الأسود، وهم أخذوا يبحثون عنه في العمارة ظناً منهم بأنه امرأة إفريقية وساحرة، فتشوا العمارة شقة شقة، ودخلوا على صاحب الحظ التعيس الذي كانت معه امرأة إفريقية شديدة السواد، وزوجته لم تكن موجودة، وأطفاله صغار وينامون في غرفة أخرى... تورط الرجل وباللغة العربية الفصحى (توهق)، ماذا كان بإمكانه أن يقول لهؤلاء القوم (ولكم أن تتصوروا أشكالهم وهم هاجمين على شقته) يسألونه عن ساحرة سوداء وعارية تحولت إلى عصفورة، طارت ودخلت شقته؟

لم يكن أمام الرجل المسكين الكثير من الخيارات إن كان يريد النجاة من الفضيحة أولاً، ومن السجن والضرب بالحجارة حتى الموت ثانياً، لم يكن لديه خيار غير التضحية بالمرأة التي لابسة (من غير هدوم) والموجودة في غرفة النوم... ذهب القوم الأشداء إلى المرأة المسكينة التي جاءت من أجل غرض آخر، وهجموا عليها بالأغطية، ومسكوها وهي تصرخ وتستغيث، ثم خرجوا للناس وهم فرحون يهللون ويكبرون... والله هذه قصة خيالية عجيبة ولكنها لا تصلح لأن تكون سيناريو لفيلم أميركي، لأن كاتبها سيتهم بالعنصرية