من البرامج التلفزيونية الرائعة التي احرص على متابعتها دائماً برنامج «أدب السجون» الذي تعرضه قناة «الجزيرة». في كل حلقة اشاهدها، يثار عندي كم هائل من الأسئلة:
لماذا هذا الامتهان لحقوق البشر في عالمنا العربي؟
لماذا هذه القسوة؟
لماذا هذا الإرهاب الذي يملأ أركان الأنظمة العربية؟
هل في الثقافة العربية الإسلامية ما يجعلنا مطوقين بخفافيش الظلام في هذا البلد العربي أو ذاك؟
هل في التاريخ العربي الإسلامي كل هذا الإرث الأسود الذي لا ينتهي مع كل التقدم الهائل في مجالات حقوق الإنسان في العالم؟
في العام 1950 كان هناك 20 ديمقراطية في العالم من بين 80 دولة ذات سيادة، وفي العام 1974 أصبح من الممكن تصنيف 40 دولة من دول العالم المئة والخمسين دولاً ديمقراطية. أما الآن فطبقا لمؤسسة «فريدوم هاوس»، هناك نحو 120 دولة ديمقراطية، أي ثلثا دول العالم البالغ عددها 193 دولة... أين الدول العربية؟ إنها في الحضيض طبعاً!
مثلاً في حرية الصحافة: تأتي الكويت في المرتبة الأولى عربياً، ولكنها في المرتبة 85 عالمياً!
وفي ذيل القائمة عربياً تأتي السودان وهي في المرتبة 162 عالمياً!
هكذا فإن العالم يتطور ويتقدم ديمقراطياً وإنسانياً والبلاد العربية جامدة على حالها تعيش قرون التعذيب والقهر والامتهان للبشر.
أعتقد أن أي مواطن عربي من المحيط إلى الخليج عاش العقود الأربعة الماضية، عايش جزءاً من عذابات السجون في عالمنا العربي! فالسجون والرعب وجمهوريات الخوف كانت هي الطابع الذي تصطبغ به الأنظمة العربية، وكان من النادر ان ترى انتخابات شبه ديمقراطية في بلد عربي!
حينما أشاهد برنامج «أدب السجون»، أتساءل: إذا كان السجين يمكن أن يسجل هذا الحجم الهائل من العذابات... بماذا ستتحدث العظام الرميمة التي تنتشر في مقابر جماعية هنا وهناك في عالمنا العربي؟
وبماذا ستشهد تلك البقايا البشرية التي تركتها أحواض الأسيد التي تفنن في استخدامها الحكام العرب؟!
برنامج «أدب السجون» يستحق أن يمتد لألف أو آلاف الحلقات، ليتم توثيق مرحلة سوداء سيطرت الدكتاتورية والاستبداد والعنف والإرهاب على السلطة في بلاد العرب.
نعم، مازالت بعض البلاد العربية تعيش شيئاً من هذه التجربة المريرة، ولكن حتى لا تعود بحجمها المهول كما في العقود الماضية لابد من إحياء الذاكرة بصورة مستمرة
العدد 1360 - السبت 27 مايو 2006م الموافق 28 ربيع الثاني 1427هـ
