تصريح رئيس المؤسسة العامة للشباب والرياضة الشيخ فواز بن محمد آل خليفة أثناء انعقاد المؤتمر الصحافي للإعلان عن الاستراتيجية الوطنية للشباب الأربعاء الماضي، كان مفاجأة من العيار الثقيل وغير متوقع على الاطلاق، اذ ماتزال الذاكرة متأججة بحمل ما قيل، وتبحث عن مخرج وتفسير صحيح لكي لا تسير الأمور عكس ما يجب.
فعندما سألت «الوسط» رئيس المؤسسة عن غياب الدور الثقافي الذي تقوم به المؤسسة تجاه الشباب وبروز النشاط الرياضي بكثرة طاغية، أجاب الشيخ فواز بشكل صريح وعلني وواضح لا غموض فيه أو لبس أو تشكيك - وسط دهشة الاعلاميين والصحافيين المحليين والأجانب - أن شئون الثقافة للشباب ليست من اختصاص أو مسئولية المؤسسة وأن وزارة الاعلام هي المسئولة عن وضع البرامج الثقافية الشبابية ممثلة في قطاع الثقافة.
لكني أقول، ليس هكذا تورد الابل يا شيخ فواز، وقد انكشف غطاء الأسئلة المحيرة القلقلة في أوساط الشباب، والتي كانت تتقاذف على المؤسسة طيلة السنوات الماضية بعدم اهتمامها بالثقافة، واعتبار الرياضة المحور الأساسي للانطلاق في الفعاليات جميعها، وهي اجابة شفافة اختصرت الكثير من المراوغات الدبلوماسية التي تعودناها من المسئولين.
وهو تصريح ساخن طغى على أهمية اعلان الاستراتيجية نفسها، إذ كيف تتنصل المؤسسة من مسئولية هي من صميم عملها، ومن ضمن أولوياتها واستراتيجياتها لبناء شباب مثقف وواع بمهامه ودوره في المجتمع، متسلح بالعلم والمعرفة، وتؤهله للمشاركة الايجابية والفاعلة في القضايا التي تلم بالوطن.
واذا لم يتم تدارك الايحاءات والرموز التي تكتنف هذا التصريح «القنبلة»، وتعديله وتقويمه، فإن الأوضاع الثقافية لدى الشباب في البحرين سوف تزداد سوءا وتراجعا، وستكون هناك نتائج سلبية مؤثرة على الساحة الشبابية من الصعب تجاوزها أو ايجاد حلول ناجعة لها.
دعونا ندقق فيما قيل. «نتيجة لذلك (عدم مسئولية المؤسسة في تبني التوجه الثقافي لدى الشباب) احتلت الأنشطة الثقافية نسبة لا تتجاوز الـ الخمسة بالمئة من مجموع الأنشطة التي تقيمها المؤسسة» بحسب تصريح رئيس المؤسسة، وكنتيجة طبيعية أن تفرد مساحة كبيرة للأنشطة والمسابقات الرياضية لا تقل عن مساحة الاستغراب والحيرة التي سببها هذا الاعلان الصريح عن الأطر والسياسات العامة التي تسير سفينة المؤسسة.
وعندما نورد الثقافة في هذا الشأن، فهي بمعناها الشمولي الواسع، الذي لا يقتصر على جانب محدد، وتشمل العلم والمعرفة والسلوك والخبرة، والاتجاهات والادراكات والميول للافراد، الثقافة تحوي الآداب والفنون والفكر، وليس كما يفهمها البعض في قراءة كتاب أو إقامة محاضرة ثقافية أو مسابقة للأسئلة الاختيارية، بل هي أوسع من ذلك بكثير، وتغطي النواحي المحيطة بالحياة الانسانية جميعها.
وتهميش الدور الثقافي الذي تقوم به المؤسسة تجاه الشباب - وهي مؤسسة تحمل عنوان (المؤسسة العامة للشباب والرياضة) كل ما يحيط بشئون الشباب ومتعلق بهم من قريب أو بعيد - يثير أسئلة كثيرة ومتتابعة. فماذا تبقى للشباب اذا غيب الدور الثقافي...؟ ما الذي ستقوم به المؤسسة؟ كيف ستبني المؤسسة برامجها واستراتيجيتها القادمة من دون قاعدة ثقافية صلبة تنطلق منها؟ كيف بالامكان احتواء الأبعاد الثقافية ضمن برامجها وخططها التي ستقدمها للشباب...؟
ولكن يبدو أن نصيب الرياضة والاهتمام الكبير بها لايزال حجر الانطلاق للفلسفة التي تبنى عليها توجهات ورؤية المؤسسة للعمل الشبابي، إذ أن الروح «الثقافية» ستظل مغمورة بحلم الارتفاع والمنافسة للبرامج والأنشطة الرياضية التي يصرف عليها بشكل «جنوني» يستنزف طاقة موازنة المؤسسة، ويبعدها عن الساحة الشبابية، مع احترامنا لأهمية الرياضة في حياة الشعوب. أرادت المؤسسة أن تنطلق باستراتيجية جديدة لمعالجة ما استفحل من طغيان الرياضة، واذا بها تفاجئ الجميع بصراحة لا تحسد عليها
العدد 136 - الأحد 19 يناير 2003م الموافق 16 ذي القعدة 1423هـ