العدد 1359 - الجمعة 26 مايو 2006م الموافق 27 ربيع الثاني 1427هـ

انتخب من يمثل الوطن لا الطائفة

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

سألت صديقا من خارج دائرتي الانتخابية اتصف، منذ كان يافعا، بالانقياد السهل إلى مواقع اليسار السياسية، بدعوى قناعة لا أعرف كيف تكونت، لكنها كانت لديه جد قوية، وهذه القناعة، دائما ما يوجزها هذا الصديق بأن اليسار يتميزون بالصدق والجرأة أكثر من غيرهم، سألته حين وجدته كثير الميل، شديد الانحياز إلى أحد النواب الحاليين ممن تُتداول أسماؤهم كمرشحين محتملين للانتخابات النيابية المقبلة، عن سبب ذلك الميل ودواعي كل هذا الانحياز إلى ذلك النائب دون سواه، فقال لي: إن أهم ما يميز ذلك النائب والمرشح المحتمل الذي تسألني عنه هو الطيبة، والحقيقة أنني أحبه لكثير طيبته ومساعدته للنـاس الفقراء، أضف إلــى ذلك انه منّا (وبعدين هو منا... هكذا قالها، وكلمة بعدين في السياق تعني من البديهي أنني أنتخبه) فأخذت أطرق باب الذاكرة علني استدل على شيء ذي صلة بمعرفة ذلك النائب الذي هو (منّا)، مثل ما يقول صديقي، فلم أفلح في رصد أية صلة أو أثر يقودني لمعرفة تلك الشخصية التي ذكرها لي صديقي فسألته: ماذا تقصد بأنه كان منّا، أتقصد أنه ممن كانوا ذوي نزعة ليبرالية أو يسارية؟ فذلك يا صديقي ما لم أخبره فيه ولم أعرف عنه أنه ذو ميول فكرية أو اتجاهات سياسية، كما أنه قليل الاهتمام بالقضايا الوطنية، فقال لي: لا... لا... إنني لم أذهب ذلك المذهب، إنما قصدت أنه من الطائفة والانتماء المذهبي نفسه.

احترت في فهم صديقي الذي كنت أعتقد أنني أفهمه على رغم سطحية تناولاته للشئون العامة، وعدم اكتراثه، وخصوصاً، بالشأن السياسي. وأدركت بعدها كم هي ضخامة العمل الغارق في الظلامية والجهل الذي أنجزه الطائفيون المذهبيون لكي يكون لهم موقع بين الناس يديرون من على منبره اتجاهات الرأي العام على هذا النحو من السوء الذي بلغ مبلغه حتى تغيرت قناعات وتبدلت مواقف عن أمور كنا نظن أن دابرها قد انصرف مع الزمن. فقلت له: وهل أن الطيبة ومساعدة الناس والانتماء المذهبي هي مؤهلات كافية في مرشح مرحلة قادمة تنوء بأثقال ملفات مؤجلة ومحوّلة من البرلمان الحالي بعد أن أعيت الحيلة أكثر أعضائه في التوفيق بين مصالحها الشخصية التي تكشفت بعض أسرارها في حومة الخلاف الذي دار بين إحدى الصحف المحلية وبين بعض الكتل السياسية، ومصلحة الوطن حتى بدا واضحا وجليا كم أن المصلحة الشخصية هي المحك لدى كثير من النواب الذين بمحض المصادفة وتغيّر المقاييس الوطنية عند الناس في اختيار ممثل الشعب، وهذه، على كل حال، مشكلة الطارئين على العمل السياسي وثلة المعتقدين بأن انتخاب الناس لهم محل تشريف لا تكليف. ولهذا نرى البعض، أو بالأحرى نسمع عن البعض، بأنه منغمس في استثمار الكرسي النيابي ليتحرك بحرية في أروقة الأجهزة الحكومية وإداراتها لتخليص معاملات تعزز من مركزه الاجتماعي بين ناخبيه.

ومن أهم تلك الملفات المؤجلة، على الإطلاق يا صديقي، هو رفع مستوى معيشة المواطنين والقضاء التام على البطالة، لتأسيس الثقة على أساس من المواطنة والمساواة وعدم التمييز؟ فلم ألفِ صديقي إلا وهو يشيح بوجهه عني في استحياء لا يُعرف مصدره إلا من عاجن البساطة وخبر المعدن البحريني في صفائه ونقائه قائــلا (يعني) على الطريقة البحرينية المشحونة تواضعا وأدبا مصحوبة بابتسامة بمثل صفاء قلبه، تحمل معنى ما، يفيض بساطة ولين عريكة تومئ بعدم القدرة على تقديم المبررات الكافية لقرار سيتخذه ولم يحسن التقدير. فقلت له إن الطيبة وحسن المعشر ومساعدة الناس هي السلوكات الظاهرة التي تعكس قيمة مجتمعية اسمها السماحة، والتي يشترك في تمثلها معظم أهل البحرين، حتى غدت اسما رديفا للمكان عبر التاريخ. وإذا ما قدر لكل أبناء منطقتك، مثلا، أن يترشحوا فلن تكون مهمة الفرز فيما بينهم، أخذا في الاعتبار الطيبة محكا معياريا، من المهمات السهلة لأنهم كلهم طيبون، فسألته: ألا اتفقت معي في ذلك؟ فقال نعم، ولكن... وقاطعته مرة أخرى لأضيف: ولأنه نائب أمضى زهاء الأربع سنوات، ما الذي تعتبره إنجازا من إنجازاته على مستوى منطقتك وعلى مستوى الوطن؟ وماذا كان موقفه من قضايا كبرى مثل قانون الصحافة والتجمعات والبطالة والفساد وغيرها...؟ ثم ان أحد النواب، في إطار الحملة الانتخابية المبكرة بعض الشيء، يقول إن المجلس كان ضعيفا في انجازاته، وعلى الناخب أن يأتي بمجلس أقوى، فهذا إقرار شجاع بعدم كفاءة أعضاء المجلس الحالي، ودعوة، غير مباشرة، لعدم التجديد لهم.

وأتساءل: لماذا يصر بعضهم على الترشح من جديد؟ ألم تكن فرصة الأربع سنوات كافية لإظهار قدراتهم وكفاءاتهم، أم أن إغراءات الكرسي وغواياته تحد من ظهور الأخلاق على سطح التعامل مع قضايا الوطن والمواطنين؟

ماذا فعل للناس وللوطن بطيبته في الأربع سنوات الماضية، هل سن، من موقعه، تشريعا، أو ساهم في غربلة مشروع باقتراح مع زملائه ينتزع بواسطته قانونا وبالتالي سياسة رشيدة تحسن من ظروف الناس لكي لا تحتاج لمساعدته؟ أم هو رجح مصلحته ومواصلة طيبته في مساعدة الناس كي يضمن تصويتها له في المرحلة القادمة لكي تبقى الناس في تبعية طيبته ليستمر هو متغافلا عن البحث في سياسات بديلة لسياسات قائمة لم تطرح حلولا لمشكلات مجتمعية متجمعة، تساعد الحكومة وتتشارك معها في تخفيف الأعباء المعيشية على المواطن الناخب الذي من سوء تدبيره، اتخاذ قرار الاختيار عند الاقتراع على اعتقاد خاطئ يختزل مواصفات نائبه في الطيبة والمذهب باعتبارهما مفتاح الحل لكل المشكلات. قال صديقي كفى، فهل تريدني أنا البسيط أن أجيب عن كل هذه الأسئلة؟ فسأل نفسه قائلا، في سماحة بحرينية، ابحث لي عن مواصفات تجدها مناسبة وسألتزم بها في اختياري القادم، وتركني مستغرقا في إجابته الأولى التي اختصر مواصفات النائب في طيبته ومذهبه، لأبحث عن مواصفات إضافية له عله يعيد النظر في خياراته القادمة، ويأخذ الأمر على محمل الجد لأن الوطن يستحق منا، حكومة ومواطنين، سنة وشيعة، الكثير والكثير

العدد 1359 - الجمعة 26 مايو 2006م الموافق 27 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً