العدد 1359 - الجمعة 26 مايو 2006م الموافق 27 ربيع الثاني 1427هـ

لا ندافع عن الـ «NDI» إنما عن تاريخنا الوطني

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

المثل الشعبي يقول: «إذا حكى الشرع الكل يأكل تبن». وعلى ما يبدو هذه الأيام ومع دولة القانون والمؤسسات بتنا بحاجة إلى تغير صيغة المثل لكي يكون معبراً عن الواقع إلى: «إذا حكى القانون الكل يأكل تبن». لكن بشأن أي قانون نتحدث، وعن أي من القائمين عليه نتجادل؟ نتحاور طبعاً عن ذاك الصنف الذي أدمن تشويه الحقائق وبترها وكيل الاتهامات والتجهم على المختلفين معه في المصالح والرأي.

لن نصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة ما بين المعارضة السياسية ورئيسة مجلس أمناء معهد التنمية السياسية بشأن بيانها عن تقنين عمل معهد الـ NDI، فذاك قد تكفل به بيان المعهد، إنما نحن بصدد استغلال الحدث الجلل والذي بث برسائل ملغمة «بنغمة تهديد» إلى مؤسسات المجتمع المدني والإكثار من كيل الاتهامات والتشكيكات طولاً وعرضاً بشأن علاقتها مع معهد الـNDI ، أما بشأن وصف سبب الخلاف مع الـ NDI بأنه «قانوني صرف»، نجده من طرفنا «سياسياً بحتاً»، وذا علاقة بمسألة موعد الانتخابات التي لم يعلن عنها الحكم بعد، ورفضه الرقابة عليها من مؤسسات دولية أو محلية محايدة، كما هو سعيه إلى تغيير ترسيم الدوائر الانتخابية لصالحه جنباً إلى جنب مع التجنيس السياسي التي لا علم للمواطن بتفاصيله! وعليه يحق لنا كما لغيرنا تصويب سؤال غير بريء ولكنه منطقي مفاده: ما الذي تغير واستجد لكي تتغير سياسة الحكم تجاه هذا النمط من المؤسسات؟ ما هي الرهانات الدائرة في أدمغة من يحرك الأجهزة الرسمية لكي يتحول سلوكها فجأة إلى الهجوم وتوجيه الاتهامات للمعارضة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها «جمعية نهضة فتاة البحرين» و«جمعية أوال النسائية»؟ هل هناك رهانات تدور حول آمال معلقة لعودة حليمة لما اعتادت عليه قديماً في التعاطي مع قوى المعارضة، وذلك ربما لكونه رجع صدى فاقع للصراعات الدائرة في الإدارة الأميركية والداعي بعضها إلى العودة صوب التحالفات القديمة مع الأنظمة السلطوية، وبالتالي توقف عجلة الإصلاح الديمقراطي السياسي عن الدوران؟


مغالطة تاريخية

ما غرض بيان رئيسة مجلس أمناء معهد التنمية السياسية، من وراء الإشارة إلى أن «جمعية نهضة فتاة البحرين» هي أول من اتصل بمؤسسة الـ NDI: تصرح الرئيسة: (أولاً: قدم مسئول برامج الشرق الأوسط إلى البحرين فوزي جوليد بعد اتصال جمعية نهضة فتاة البحرين في فبراير/ شباط 2002، برئاسة المعهد في واشنطن ودعوتها للمعهد للاستفادة مما يقدمه من تدريبات واستشارات فنية في مجال المشاركة السياسية - الوقت 23 مايو/ أيار 2006). للعلم في بطن هذا الكلام مغالطة تاريخية محسوبة بدقة متناهية، فالمعهد وجد على أرض البحرين لأن الحكومة صرحت له آنذاك بالوجود، والذاكرة لاتزال حاضرة ولم تخن الجميع منا بعد: بأن معهد الـ NDI، هو المبادر بالاتصال بـ «جمعية نهضة فتاة البحرين» لترتيب النشاط الذي أشارت إليه. لماذا؟ لسبب وجيه، كون جمعيتا «النهضة» و«أوال» من أبرز وأنشط الجمعيات النسائية في ساحة العمل النسائي والحقوقي على مستوى محلي وخارجي، فضلاً عن تبنيهما الواعي مبكراً لقضايا الوطن وهموم مواطنيه. والأهم من هذا وذاك حقيقة كونهما كانتا ومازالتا: خارج ذيول الجهات الرسمية.

هذا شأن، أما الشأن الآخر فإنه من المغالطة بغير وجه حق إدراج خبر لقاء الجمعية بالسفارة الأميركية آنذاك، إذ إن اللقاء الذي تم كان بالأساس ما بين السفارة الأميركية والمدربين «الأجانب» الذين استضافهم معهد الـ NDI لتنفيذ برنامجه التدريبي، بمعنى (هم ضيوف المعهد من الخارج)، وليس كما تم الادعاء مع عضوات الجمعيتين. يشار إلى أن أجهزة الحكم وقتها ووزارة العمل والشئون الاجتماعية كانت آنذاك بالمرصاد لتحركات الجمعيات الأهلية في كل خطوة تتقدمها، وبالذات لجمعيتي أوال النسائية و«النهضة» بسبب مواقفهما الوطنية الشريفة والتصاقهما بقضايا الوطن والمواطن، فضلاً عن غيرهما من مؤسسات المجتمع المدني. فالجميع كان يرزح تحت وطأة الرقابة الصارمة عند تنفيذ الأنشطة أو الاتصالات الداخلية والخارجية، ولطالما توقفت مشروعات ولم تنفذ بسبب تدخل الجهات الرسمية. فإذا كان من وراء الاتصال أية شبهة قانونية بحسب زعم البيان، فلماذا لم تتدخل الجهات الرسمية وقتها وكعادتها وتمنع الجمعيتين من ترتيب ذلك النشاط التدريبي الذي بحسب علمنا قد تم بدعم وموافقة رسمية؟


شراكة أم تبعية؟

هنا يحق لنا المساءلة بشأن ادعاء رغبة الطرف الرسمي في بناء شراكة مجتمعية مع الجمعيات النسائية في الوقت الذي تقوم فيه رئيسة معهد التنمية السياسية بالهجوم وكيل الاتهامات للنيل من سمعة ووطنية هذه الجمعيات بشكل مقصود لتشويه سمعتها، وذلك استناداً على مغالطات لن تؤدي إلا إلى زيادة حدة التوتر وربما مقاطعة البرامج الرسمية التي ينفذها المجلس الأعلى للمرأة من قبل الجمعيات النسائية أو غيرها من المؤسسات الأهلية، ولاسيما أن الرئيسة ذاتها تشغل في الوقت نفسه منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة.

ثم من قال إن جمعية «النهضة» أو «أوال»، أو أية مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني باستطاعتها الترخيص أو حتى الحصول على ترخيص لمثل هذه المؤسسات لكي تمارس أنشطتها؟ المنطق لابد أن يكون سيد العقلاء، بحسب البيان، نعود للسؤال ثانية: لماذا سمحوا لمعهد الـ NDI بمراقبة انتخابات 2002 وممارسة جميع أنشطته طالما كان وجوده مشبوهاً والتعاطي معه أكثر شبهة؟ هل حدث ذلك من أجل تلميع العملية الديمقراطية آنذاك؟ هل النظام السياسي بحاجة للتلميع لا قدر الله؟


وعي سياسي زائف

المحطة قبل الأخيرة نتوقف عندها في البيان الهجومي وذات صلة بهدف معهد التنمية السياسية المعلن عنه وهو: «نشر ثقافة الديمقراطية، وحقوق الإنسان وتنمية الوعي السياسي بين المواطنين». بعد التفكر عميقاً نسأل جميع أعضائه: «عن أية ثقافة وديمقراطية تتحدثون وتسعون؟ عن أي وعي سياسي زائف تروجون؟ فمن تفاصيل حكاية بيان معهد التنمية السياسية وصراعه مع الـ NDI نشم روائح ابتزاز ومراهنات وبتر وحرف للحقائق وإخفاء لبعضها، لا بل هناك لف ودوران، بدءاً من حكاية التصريح، إلى علاقة الـ NDI مع مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الجمعيات السياسية، وصولاً إلى قرار منع «خلوة المغرب» التي تحدد برنامجها للالتقاء بالأحزاب المغربية ومؤسسات المجتمع المدني والتعرف على التجربة المغربية، والحصول على التدريب في مجالات التحالفات ودور الأحزاب في الملكيات الدستورية، واللقاء مع بعض السياسيين في المغرب ومنهم رئيس البرلمان. هذا ما صرح به رئيس جمعية «وعد» إبراهيم شريف («الوسط» 24 مايو/ أيار 2006)، مضيفاً أنه لا يوجد سوى يوم واحد مخصص في نهاية البرنامج للحوار بين الجمعيات بشأن قضايا البحرين، ومؤكداً أنه من حق الجمعيات أن تلتقي ببعضها بعضاً في أي مكان، وأنه ليس من حق أي طرف أن يحدد أين ومتى نلتقي، فليس هناك ما يوجد في القانون ما يمنع البحرينيين من الحديث في السياسة خارج بلدهم، وإلا لما تحدث وزير الإعلام في شأننا السياسي الداخلي أثناء زيارته للولايات المتحدة ودول أخرى أيضا؟.


احترام... ندية... تبادل

إلى ذلك، فعلاً، لا حكم ولا سيطرة من قبل معهد التنمية السياسية «الرسمي»، على المعارضة السياسية ولا الجمعيات السياسية، ولا مؤسسات المجتمع المدني بمن فيهم من جمعيات نسائية، إنما لمن يرغب في تنفيذ نشاط التوعية السياسية الحقة أن يعمل أولا على إرساء علاقة يسودها الاحترام والصدق والندية والتبادل والتشاور والتواضع، فالحديث في أي شأن من شئون الوطن ليس قصراً على الطرف الرسمي ومؤسساته ومعاهده، كما لن توقفه شرائط القوانين التكبيلية التي تنهل معطياتها من «قانون أمن الدولة» السيئ الصيت.

وإن كان الحديث غالباً ما يكون باسم القانون لكي يصمت الجميع، فيحق للشعب أن يسأل ليل نهار: عن أية شرعة وقوانين يتحدثون ويروجون؟ هل عن قوانين تحفظ مصالح فئات محدودة في حيازة ثروات البلاد بالطول وبالعرض؟ هل عن قوانين حماية أصحاب الثروات وعدم مساءلتهم «من أين لك هذا؟ ولماذا أنت هنا؟ وماذا فعلت؟». أم يتحدثون عن قوانين تحجر الرقابة الشعبية وتعظم من فرص الفساد وبيئته وعفونته، أم عن الغرور المستشري؟ هل يتحدثون عن قوانين تدعم سلب حقوق الشعب الدستورية بما فيها حق المساواة الانتخابي؟ أم أننا بصدد الحديث والإسهاب ثانية عن قوانين أمن دولة قادمة، تحجر على المواطن التفكير والاحتجاج والتعبير عن الرأي؟

بالذمة... قولوا لنا بصراحة عن أية دولة قانون تتحدثون؟ وإلى أي قوانين تسعون... لكي نستطيع فهم لغتكم وما يدور في أدمغتكم؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1359 - الجمعة 26 مايو 2006م الموافق 27 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً