لم يتسنَّ لي التحقق من المعلومات التي أوردها القارئ الكريم بشأن ما جرى في أحد مجالس المحرق قبل أسبوعين من اليوم. وليعذرني القراء الأعزاء في هذا العجز الصحافي إذ أنا خارج أرض الوطن الصغير (البحرين) ولكنني في قلب الوطن العربي الكبير (مصر العروبة والإسلام).
غالبية الهوس الطائفي مبني على مواقف شخصية لا دخل للجماعة «أ» أو «ب» في صناعتها - وإن كان لتراثنا نصيب كبير في تكوينه - وهذه المواقف إما أن تكون في العمل أو في الدراسة، أو (وهي الأكثر) على مواقع الإنترنت. إذ يتخاطب الناس وكأن الحرب قائمة لا محالة، والإبادة البشرية آتية لا عقل يردعها ولا دين ولا إنسانية!
هذه اللوثة الطائفية انتشرت على نطاق واسع، وخصوصاً بعد سيطرة المذهبيين على مقاليد السلطة في إيران، وتجددت أوارها بعد الغزو البربري للعراق. هذه حقيقة لا ينكرها إلا خفيف عقل!
اليوم، ما يأتي من أرض الرافدين من تصدير لخطابات التكفير الزرقاوية (الزفتاوية على حد وصف أحد الإخوة العراقيين) في قبال خطب منبرية محمي قائلها كخطب «ياسر الحبيب» والذي ينتمي إلى تيار «التكفيريون الجدد» في العراق، كما زاد الطين بلة الشريط المسجل - إن صحت نسبته - لرئيس الوزراء المنتهية ولايته إبراهيم اشيقر (الجعفري).
وسط ريح الطائفية اللاهب والمودي بالمنطق القويم، والمدهش للعقل السليم، ومع كل هذه الأجواء، إلا أنني استغربت أشد الغرابة من منطق أحدهم بأن «شيعة» البحرين يرسلون أموالهم عن طريق السفارة الأميركية ليقتلوا بها أبناء أهل «السنة والجماعة» في العراق! ونائب آخر يقول: «الشيعة» في البحرين يتملكون المساكن في مناطق «سنية»! وينسج أباطيله من كل جانب ليزلقنا في منزلقه الخطير، والذي انزلق فيه بعد قضية تافهة، كشفت عن ضيق صدره، وعدم تطبيقه لسنة الرسول الأكرم (ص) في مبدأ يتعلمه المسلم في أول عام دراسي له وهو: العفو عند المقدرة.
فشل الأول، وهو نائب برلماني، في سن تشريعات تحمي المال العام، وتهيئ الأرضية لاقتصاد سياسي سليم، وتوزيع عادل للثروة، ورفع مستوى المعيشة، جعله يتهرب من أسئلة الناخبين مستخدماً العاطفة الإنسانية؛ فتتحول القضية لدى الناخب حينئذ إلى قضية «سنة» أم «شيعة»... قضية حياة أو موت!
أما الثاني، وهو نائب برلماني أيضاً، لم يتقيد بما وضعه في برنامجه الانتخابي نصف «أونصة»! وعجز عن الحفاظ على الأراضي المنهوبة والموهوبة. وبدلاً من ذلك (أي الحفاظ عليها) تفتق ذهنه بفكرة جهنمية وهي إن «الشيعة» هم سبب الأزمة الإسكانية في البلد! وهم من يتملكون المساكن في مناطق «السنة» وخطورة تملكهم تلك أكبر من خطورة نهب ووهب الأراضي في أعماق البحار وعلى السواحل!
نحن بحاجة إلى خطاب وطني جامع؛ فالمسئولية كبيرة على المفكرين والمثقفين وأصحاب العلم الشرعي الرصين في المحافظة على اللحمة الوطنية والسلم الأهلي... وليس هذا غريب علينا، إذ طالما ضمتنا هذه الأرض (سنة وشيعة) على رغم ضيق ذات اليد، والظلم السياسي والاجتماعي العام
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1359 - الجمعة 26 مايو 2006م الموافق 27 ربيع الثاني 1427هـ