برزت أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، واندحار ألمانيا النازية بقيادة هتلر، المنفلت بأفكاره المتطرفة، وتبنيه ايديولوجية قومية استعلائية عنصرية، تعتبر في إطار طروحاتها: «أن كل ما في الكون من ثقافة إنسانية ومن نتائج الفن والعلم والتقنية، هو النتاج الخلاق للجنس الآري... إن الآري وحده هو المؤسس لكل ما في الإنسانية من رفعة... فهو فرومينوس الجنس البشري، الذي انبثقت من جبهته المتألقة الشعلة السماوية للعبقرية... وقد ظل السيد المطلق». (راجع «كفاحي» - هتلر).
وفي تأكيد أن «أميركا وريث النازية في الاستعلاء القومي، وفي تهديد السلم والأمن العالميين»، نقرأ الآتي الذي يتضح في مساحة ساحته. إن المسيحية كديانة سماوية، وهادية الى الصراط المستقيم للبشرية التي ضلت طريقها، واستبدلت تعاليم المسيح (ع)، وتلاشى ظلها في مستنقعات من نبوءات اليمين المسيحي المغرقة والمشمئزة للنفس، تلك التي نستعرض نماذجها إذ يتضح أمامنا أنها ليست الا جملة من الشدخ الجنوني الخيالي الذين يسجل أكبر منكرات الكفر بالجلالة والتطاول على الذات الإلهية، إذ يجد المرء في ظل النبوءات مجرد حال من الهذيان الذي في ثرثرته:
يحدثونك عن رب العلا كذبا
وما درى بشئون الله إنسانا
على أن الذي يلزمنا التمسك به والتأكيد عليه عن. كيف فقدت المسيحية ظلها على أرض الواقع، وصارت أداة لتنفيذ المخططات اليهودية الصهيونية البرولوتوكالية، بشأن هذه النقطة بالذات نستعين بما جاء في الفصل الثالث «المسيحية الغربية - الجدل حول تهويد المسيحية» إذ نستقي المعلومات الآتية بتفاصيلها وبنصها، تاركين الحكم النهائي للقارئ الكريم ومن هنا نبدأ:
«يمكننا أن نقول الآن بثقة كبيرة إن (الكتاب) ليس تاريخا لماضي أحد. إن قصة إسرائيل المختار والمنبوذ التي يقدمها، هي مجاز فلسفي للجنس البشري الذي ضل طريقه. فالتراث نفسه هو خطاب عن تعرف ذاك الطريق. إننا باضفاء الصفة التاريخية على هذا التراث نكون قد فقدنا رؤية المركز الفكري لـ (الكتاب)، كما فقدنا رؤيتنا لمركزنا. إن مسألة الأصول التي هيمنت على الأبحاث الحديثة في (الكتاب) تنتمي الى اللاهوت أكثر مما تنتمي الى التاريخ.
إنها تسعى وراء معنى الكتاب في بداياته: فهي بذلك تشاطر المطلب الهلنستي الذي هو أيضاً مطلب الكتاب: ان نعزو تراثنا عن أنفسنا وعن الرب الى الخلق» - كتاب «من أجل صهيون». (ص 47)
توماس طومسن
«الماضي الخرافي:
التوراة والتاريخ»
واستكمالا لما ثبته «توماس طومسن» من توضيحات ناقش فيها «الجدال حول تهويد المسيحية في هذا المسار» لابد منذ البداية من التأكيد أن العامل الثقافي الديني الأميركي، هو من المعتقدات ذات المنشأ والتطور الغربيين، وهو بشهادة عدد كبير من المفكرين المسيحيين - شرقيين وغربيين - تحريف وتشويه واضحان للمعتقدات المسيحية الحقة التي نؤمن بها - مسيحيين ومسلمين - في الشرق العربي وفي الأراضي المقدسة بصورة خاصة». (المرجع نفسه ص 48).
وتوسعاً لإزالة الشكوك، وتثبيت الحقائق، «كتب عن هذا المسار الغربي للمسيحية المتطرفة جرجي كنعان يقول: «إن أكبر عملية تزييف في التاريخ تتم بصمت وتآمر هي عملية تهويد المسيحية». كما فند كنعان ما أسماه خرافات التوراة واساطيرها ومزاعمها الباطلة» التي بنيت عليها إسرائيل «الدولة العرقية الثيوقراطية».
وتتوالى التفنيدات ودحر أكاذيب التوراة وخرافاتها وأساطيرها ومزاعمها الباطلة التي بنيت عليها إسرائيل «الدولة العرقية الثيوقراطية».
إذ نقف في مسار بحثنا المتواضع هذا الذي سيكون بين يدي قارئ «الوسط» الكريم ليطلع مباشرة من خلال صحيفة «الوسط» على مواقف وآراء، يحدد أصحابها مواقفهم، ويبينوا بصورة جلية ويؤكدوا بما لا يقبل الشك، ألا دين، ولا معتقد لدى رجال الدين المسيحيين وخصوصاً منهم اليمين المسيحي الأميركي المتاجر بدين المسيح وبالله ذاته، إذ نواجه أكبر مأساة في النص الآتي:
«المسيحية الغربية... هي مؤسسة غربية المنشأ والتطور، وهذا ما جعل عددا من المفكرين يقولون: إن الغرب قد اختطف المسيحية وعمل فيها تشويها وتحريفا عبر القرون لكي تستجيب لظروفه واطماعه الآنية والمستقبلية» (المصدر نفسه ص 49).
وتتجلى خطورة أميركا المتفوقة على النازية الهتلرية بما لا يقاس، وبما لا يقارن، في تمثيل الخطورة على سلامة وأمن العالم في ظاهرتين يصبح الوضع السلمي والأمن العالمي في حال تجاهلهما وعدم أخذهما في الاعتبار، ووضعهما في نطاق الاحتسابات المهمة في المخطط الاستراتيجي بالنسبة للدول المحبة للسلام مثل روسيا، الصين، الهند، باكستان، كوريا الجنوبية وإيران، وإنه لا يمكن أن نستثني دولنا الخليجية من ضرورة الانضمام الى أي حلف يناهض أميركا ويحد من اندفاعها المنفلت خارج نطاق العقل الذي يمثله إيمان أميركا بتلك النبوءات الجاحدة والمتنكرة لوحدانية الإله خالق السماوات والأراضيين ومدير شئونها. «ومع ذلك إن الكاتب الأميركي ر. و. ب. لويس. أصر في كتابه الشهير «آدم الأميركي» على أن الإنسان الأميركي تخلص من ماضية الثقافي الأوروبي». وإنه لاشك في أن في هذا الكلام اعتراف لا يمكن لليمين المسيحي الأبله المتطرف، ولا لأي قارئ باحث، أن ينطلي عليه أن المواقف المسيحية اليمينية المتطرفة، ليست إلا نسخة منقولة عن المسيحية الغربية: «الذي اختطف المسيحية وعمل فيها تشويها وتحريفا عبر القرون لكي تستجيب لظروفه واطماعه الآنية والمستقبلية... وهنا نصل لاستخلاص النتيجة الوحيدة واليتيمة، بأن المهاجرين الأوروبيين الذين شكلوا فيما بعد اليمين المسيحي المتطرف لم يحملوا معهم الى العالم الجديد إلا كل الشرور الدافعة والثابتة، إنهم أمة شريرة أذاقت الإنسانية كل أنواع العذاب والمهانة متمثلة في إبادة 60 مليون من الهنود الحمر، الذين يظن اليمين المسيحي المنحط الأفكار، والمنسحق الاخلاق، بأنهم ربما يكونون السبط الثاني عشر في القبيلة الإسرائيلية الذي اختفى، وكذلك إبادة 100 مليون إفريقي من المستعبدين من قبل البيض المغرور ببشرته البيضاء، ومتناسياً بجانبها أخلاقه السوداء في تعاملة مع الإنسانية وحقوق الإنسان التي يكثر الحديث عنها ليستر على عوراته في انتهاكات حقوق الإنسان.
لقد سلبنا شيق الحديث عن عهر أميركا بعد أن قفز اليمين الى أعلى مستويات القرار، بقي علينا ان نشير أخيراً الى تصريحات بوش، المتعلقة بتغيير وجه أميركا أماماً العالم. إن على بوش ان يقف موقفا شجاعا ينقذ معه نفسه من كونه عميل وضيعاً لليمين المسيحي المتطرف الذي استولى على مراكز القرار، وجعل من بوش وطاقم حكومته مجرد باصمين على يقرره لهم حكام أميركا من اليمين المسيحي المهبول بالنبوءات الأنتيكا.
أما وقد امتد بنا الحديث وسرقنا الشجن، فإننا نعتذر عن تناول صميم موضوعنا عن: «أن أميركا أخطر دولة بعد النازية الهتلرية إلى حلقة أخرى في مجال هذه الدراسة البحثية، وسنلتقي
إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"العدد 1358 - الخميس 25 مايو 2006م الموافق 26 ربيع الثاني 1427هـ