تتفق الأدبيات الاقتصادية العالمية أن الاستثمارات الأجنبية في الأسواق الناشئة وتحديداً الاستثمارات المحفظية تمتاز بالتقلب وعدم الثبات فتتحرك بسرعة دخولاً او خروجاً من بلد معين وبأحجام كبيرة، ما يترك آثارا سلبية في كلتا الحالتين يجب التنبه لها مبكراً.
ولعل أبرز مثال على ذلك ما حصل في الدول الآسيوية قبل عشر سنوات، إذ كان لانخفاض الأموال الخاصة إلى الدول الآسيوية الخمس التي تركزت فيها الأزمة بنسبة 87,1 في المئة من 93 مليار العام 1996 إلى 12 مليار دولار فقط العام 1997 السبب الرئيسي للتقلب الكبير في اتجاهات التدفقات الأجنبية الخاصة وبالتالي الاضطرابات التي حدثت في أسواق تلك الدول.
وشهدت الأعوام الماضية تنامي معرفة وخبرة المستثمرين الدوليين بأسواق الدول النامية واجراء تقويم دقيق للتطورات الجارية فيها ما سمح بحصر نتائج الازمات التي تتعرض لها دولة ما او مجموعة دول ضمن الحدود الجغرافية لهذه الدول وضمن الحدود القطاعية اللازمة بدلاً من اعتبار الاسواق الناشئة وحدة متجانسة والتعامل مع التطورات فيها برد فعل موحد كما حدث مثلا خلال ازمة المكسيك حين شهدت جميع دول اميركا اللاتينية موجة هروب واسعة لرؤوس الاموال وترافق ذلك مع انخفاض التدفقات المالية الخاصة الى جميع الدول النامية0
وتتضح هذه الحقيقة من القراءة المتأنية للارقام المتعلقة بحجم واتجاهات تدفقات رؤوس الاموال الى الاسواق الناشئة خلال العام 2004 كما رصدتها مؤسسة التمويل الدولية اذ لا تكفي ملاحظة ارتفاعها من نحو 200 مليار دولار إلى نحو 295,2 مليار دولار للدلالة على الاهتمام الكبير الذي توليه المحافظ الاستثمارية بهذه الأسواق، بل يفترض ملاحظة ارتفاع قيمة التدفقات الى الكثير من الدول النامية التي تدخل فيها تلك الاستثمارات لأول مرة. كما زادت قيمة التدفقات الى دول اميركا اللاتينية ومجموعة دول اوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق.
ويتضح مما سبق ان الفرصة مواتية للدول الخليجية والعربية للحصول على نصيب اكبر من التدفقات المالية الخاصة لا سيما اذا تم التركيز على تعميق عوامل القوة والتوازن في اقتصاداتها بما يؤكد تمايزها عن الدول ذات الاقتصادات غير المتوازنة وكذلك التركيز على ترسيخ سياسات الاصلاح والتحرير الاقتصادي وتفعيل دور القطاع الخاص، سيما وان غالبية الدول العربية أصبحت تمتلك رصيداً جيداً في هذا المجال يتمثل في تحقيق معدلات نمو مرتفعة تتجاوز 4 في المئة سنوياً وانخفاض معدل التضخم الى ما دون 10 في المئة وكذلك عجز الموازنات العامة الى اقل من 1,5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.
كما يجب أن يترافق مع ذلك عمل دؤوب في مجال برامج الخصخصة وفتح مجالات جديدة امام القطاع الخاص لا سيما في قطاع البنية التحتية وانشاء وتطوير الاسواق المالية وتعزيز بنيتها التحتية وعوام الشفافية، كذلك قواعد حوكمة الشركات. ومما سيسهم في زيادة جاذبية الاسواق العربية هو مواصلة العمل بجد نحو تكامل اقتصاداتها واسواقها ما يضفي عمقاً أكبر وهو عامل مهم بالنسبة إلى الاستثمارات الاجنبية
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1356 - الثلثاء 23 مايو 2006م الموافق 24 ربيع الثاني 1427هـ