العدد 1350 - الأربعاء 17 مايو 2006م الموافق 18 ربيع الثاني 1427هـ

خيلاء العتمة

هدير البقالي comments [at] alwasatnews.com

-

«لعل أفضل قراءة لهذا العالم وأعمقها، هي تلك التي نمارسها في العتمة، أو تلك التي نغمض أعيننا في أثنائها»

أدونيس

كم هو متناقض هذا الليل...

وكم هو شفاف هذا الليل...

وكم هو متطفل هذا الليل...

وكم هو غريب هذا الليل...

هذا هو الليل، الذي يقترن بالسماء بجمال باهر، بغرابة تشدو أغرب من الخيال، وبقدر يفوق سكرات الشغف، وبقدر ينسج أحلامه بأشياء صغيرة من الحياة، لصور تتعاطى بقايا قطرات الأجساد الرطبة، كانت تعانق الوحدة، ليس، للمحاكاة بل لتحرير العراقيل الوهمية للهواجس، وإن كانت نقطة سوداء، قد تتناثر بعضها، وبعضها الآخر، يعتري البحث بتمرد الفراغ، لاختلاج العتمة.

نادراً، ما تتمخض الأفكار بتشتت الشخصيات الرمادية الزخم، عند اعتناقها الممارسات الجياشة، بخجل وبرعشة، وبمحض اكتشاف كينونة العتمة، التي تتوالى بعطاء فوضوي وغاوي، ولطالما، استحوذت أدوار العتمة بتدرجاتها على المساحات البيضاء، من دون أن تعلم، ان هناك متسعاً شاسعاً لإغراءات الخراب، بدرجة تكابد جمال العتمة. حينما، تسبر العتمة بمجاهل النفس البشرية بمقدار ما، لا تستطيع العودة الى مكامن العقول، لتيسير أمور تلك الشخوص بمناورات، وصفقات، وسجالات حادة مع هذا وذاك، بالتحديد، هي بمأزق روحاني ما بين النور والتنوير، إلا أنها تختبر الذات بالرجوع إليها، بين فينة وأخرى، لترتشف تدفق الكلام المنتظر، والبوح الذي يكاد يلامس حافة التجلي، بمحو الدنيا والعتمة.

ثمة قراءات بالعتمة، قد نجيدها أو لا نجيدها على الإطلاق، كما هي، بحتميتها المنطقية وبإبداعها المغري للصورة، فهي، لا ترى ما لا يراه الآخرون، ولا تبرز حقائق تنازع البقاء والانزياح، ولا تستنبط دلالات فلسفية مبتكرة، كخطوة لتلاحق بأخرى، إنما تختلق السواد الكاحل، هكذا.

ولتلك العتمة، صداقات انفرادية بعض الشيء، تختلف باختلاف التعاريج والزخارف، فتارة تستلهم بالحركة، وتارة أخرى تتذوق هيام الجسد، أشبه بخيال أسطوري، إذ لكل ظل يفصل عن النور، ولكل ظل يفصل عن الوضوح، تكون العتمة طرفاً بقصة معقدة، تحبكها بمادة إلهامية من السواد، بصمت وشجون.

قلماً، نعبث بالعتمة للولوج الى الوقائع الحياتية، والقرارات الحاسمة التى لم تحسم بعد، على رغم عدمية النظرية بما تقتضيه العاطفة، وبما يقتضيه الأمل للحد باتجاه الضوء، نرنو على حد سواء، بالانزواء وبعدم الاكتراث، فإن الاختلال العارم يأخذ مجراه، بين التوجس والتلاشي، تتشبت الكلمات بالحال الأولى، بما لا يريد ولكنه يريد، وفي جميع الترجيحات، يخاف المرء من ولادات العتمة

العدد 1350 - الأربعاء 17 مايو 2006م الموافق 18 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً