تشكل أوقات الفراغ أزمة للكثير من الشباب والشابات، الفراغ يمكن ان يؤدي لمثل الحوادث المؤسفة التي حصلت في ليلة رأس السنة الميلادية وفي ليال اخرى. يحتار الأهل ويتسائلون كيف سيمضي الابن او البنت ساعات الفراغ ما بعد المدرسة او العمل؟ اين يقضي الشاب أو الشابة السهرة وماذا يفعلان؟
لا شك في ان الالتزام الديني مفيد ويمكن ان يسد الثغرات التربوية او حتى بعض ساعات الفراغ اليومية، كما ان القراءة والمذاكرة في المنزل من الضروريات. والعمل مفيد داخل المنزل وخارجه. هذه مثاليات فليت بامكان الشباب امضاء كل اوقاتهم في العبادة والمذاكرة والعمل!
في الواقع - القنوات الفضائية - اصبحت توفر التسلية للكثيرين في المنزل وخصوصا البنات وأمهاتهن. واصبح الشارع العام ومقاهي الشيشة وقاعات السنوكر المكتظة بدخان السجائر الاماكن المفضلة لقضاء وقت شبابنا خارج المنزل. انضمت أخيرا المجمعات التجارية ودور السينما والمطاعم ذات الوجبات السريعة والمرطبات والعاب الاطفال للصغار كأماكن للتسلية في البحرين كما هي الحال في دبي وبيروت. ولكن المقاهي والسينما والشيشة والألعاب اصبحت تتطلب موازنات خاصة.
كما تزدحم شواطئ البحر في الاماكن التي تتوافر فيها مقاعد للجلوس والالعاب والمنافع العامة. كما اصبحت شواطئ المنطقة الشرقية في السعودية مليئة بالالعاب واماكن الترفيه والاستراحة.
النوادي الرياضية لا بأس بها إذ تستقطب جزا ضئيلا من الشباب. الأراضي الفارغة في الكثير من المدن والقرى تجلب الاطفال والشباب لممارسة «كرة الشارع». اما الجمعيات النسائية فهي ايضا لا بأس بها من حيث النشاط المفيد مع انها محدودة من حيث الوقت والمكان.
ولكن التحديات متجددة تأتينا سنة بعد سنة. ومنها التحدي الناتج عن تأخر سن الزواج وازدياد اوقات الفراغ لدى ابنائنا وبناتنا ما بين سن 16 حتى 30 هي فترة جديدة بالنسبة لمجتمعاتنا مليئة بالصعوبات تشمل آخر سنوات الدراسة الثانوية وثم الدراسة المهنية أو الجامعية واخيرا فترة الانخراط في الحياة العملية. وفي الكثير من المجتمعات تشمل هذه الفترة الخدمة العسكرية والتي بغيابها في منطقة الخليج تقلل من فرص تطوير الشباب وتنمية ولائهم للوطن وتزيد من اوقات فراغهم.
ان الشباب الذين مارسوا اعمال الشغب ليلة رأس السنة الميلادية هم الذين كنا نراهم بالأمس متجمهرين في الطرق تحت انوار التقاطعات المنعزلة يلعبون كرة القدم ويدخنون السجائر وما أشبه ذلك. هم شباب لديهم سيارات او دراجات نارية او يتنقلون مع اصدقائهم. فالحدائق العامة غير مناسبة والملاعب العامة غير متوافرة والمدارس والجامعات مقفلة والنوادي غير منظمة لذلك تبقي العزلة خارج المدن هي المفضلة.
الحلول تطرح نفسها باعتبارها جزءا من الحوار لإيجاد بعض الحلول الاجتماعية والتي تمر على كل مجتمعات الشرق اوسطية.
بداية نشكو المدرسة التي تقفل ابوابها بعد ظهر كل يوم ولا تهتم بأي نشاط حتى صباح اليوم التالي. فالمدارس عامة لا تهتم باستقطاب المتطوعين من الطلبة وأهاليهم في تنظيم نشاطات ثقافية ورياضية واجتماعية على مدار السنة بعد ساعات الدوام الرسمي وفي ايام الاجازة الاسبوعية واجازات الاعياد والصيف. لا تتلاحم المدرسة مع البيت والاهالي والطلبة بحيث تصبح المدرسة امتدادا للبيت ومحورا لحياة الشاب والشابة. المدرسة يجب ان تكون منبرا لحب العلم والعمل والنشاط البناء وحتى للرياضة.
المدارس لا تنظم الا القليل النادر من الندوات والمحاضرات الدينية والعامة والحفلات الموسيقية والاغاني والمسرحيات واللقاءات والافلام الوثائقية التي تتبعها حلقات للنقاش المفيد بشأن الامور العصرية. ومنها على سبيل المثال قضايا المراهقة والعمل والصحة والزواج ومشكلات التدخين والكحول والمخدرات وما إلى ذلك. وانا اتكلم من واقع تجربة ومحاولات شخصية على مدار عشرات السنين داخل وخارج البحرين في المدارس الخاصة والعامة.
المكتبات العامة والمدرسية تغلق ابوابها لمحبي القراءة والمطالعة طوال ساعات الفراغ الاسبوعية واثناء الاجازات. والمكتبات لم تطور خدمات الكمبيوتر والانترنت ولم توظف المتفوقين والراغبين من الشباب والشابات في العمل المؤقت لخدمة زملائهم من الشباب بعد ساعات دوام المدارس. التجربة الشخصية كانت أيضا تقول انه لا جدوى في ادارات المكتبات من دون توجيهات عليا.
النوادي تختصر معظم نشاطاتها على فئة محددة من الشباب الذي يمكن وصولهم إلى مستويات رفيعة من المنتخبات. فغالبية الشباب لا تمارس اي نشاط رياضي كما ان الحال معدومة بالنسبة للبنات. وهناك بعض الاهتمام بالرياضة لدى القليل من المدارس الاهلية وتقدم فنادق النجوم الخمسة وعدد بسيط من مراكز الصحة والنوادي المتخصصة خدمات رياضية لذوي الدخل العالي. فالفرص لملئ وقت الشباب في نشاطات النوادي نادرة، حتى ان الالعاب الرخيصة مثل تنس الطاولة وتنس الريشة وكرة السلة والكرة الطائرة لا تتوافر. للأسف ان مرافق النوادي غير مستخدمة بشكل سليم واداراتها غائبة وليس للاهالي المتطوعين دور فيها. وهذا ايضا مبني على التجربة الشخصية.
الشوارع العامة لا تحتوي على طرق جانبية صغيرة لتشجيع المشاة واستخدام الدراجات. كما ان الحدائق العامة بحاجة إلى مزيد من الاهتمام.
فالناس والشباب بالذات يحتاجون إلى الاماكن التي تسمح باطلاق الطاقة البدنية في المشي والرياضة. ان التجربة في بعض الدول لتشجيع كرة السلة في بعض الاماكن العامة لهو مثال مفيد.
أخيرا تنعم البحرين بشواطئ البحر والجزر والمناطق الصحراوية التي تقدم افضل الفرص لتنمية نشاطات طبيعية وتقليدية وسياحية داخلية. ان زيارة شاطئ البحر والخروج في المراكب الصغيرة والتمتع بجو البادية هي فرص لخروج العوائل والشباب في نزهة بعيدا عن أجواء الفنادق والملاهي الليلة في المدن. وهي سياحة في متناول كل الطبقات الاجتماعية.
لا يمكن لأية حكومة ان تنظم حياة الناس. ولكن يجب توجيه المدارس والنوادي العامة والخاصة على تشجيع الاهالي والشباب والشابات بتكوين لجان تطوعية لتنظيم النشاطات التي قد تجلب الاجيال القادمة للانخراط في نشاطات بناءة وغير هادمة. كلنا نعتبر مقصرين طالما اولادنا في الشوارع من دون نشاطات منظمة ومن دون مشاركة الاهل والمدارس والنوادي في تقديم حياة مليئة بما هو مفيد.
كاتب سعودي
العدد 135 - السبت 18 يناير 2003م الموافق 15 ذي القعدة 1423هـ
