تعليقاً على ما ورد في عمود «في الصميم» للكاتب سلمان بن صقر آل خليفة المنشور في صحيفة «الوسط»، العدد (1338) الصادر يوم السبت الموافق 6 مايو/ أيار 2006 والذي عنونه الكاتب «في زمان الخرم برم»، إذ وجه الكاتب مجموعة من الاتهامات الجزافية لوزارة العمل لم يكن أقلها شأناً أنها تريد «رفع الخطوط البيانية لأعداد الموظفين فقط»، وأنها «غافلة عن أمور كثيرة وتجاوزات تأتي من قبل شركات كبيرة ضد الموظف الذي هو مواطن بحريني»، وأنها «غير فاضية هذه الأيام لسماع المشكلات»، «ولا تلتفت أصلا لمن يقول لها إن هناك مشكلة تحتاج إلى حل».
وعما ورد في هذا المقال، والذي جاء استكمالا لمقال كان قد نشره الكاتب في العمود نفسه بتاريخ 2 مايو 2006، نورد التعليق الآتي:
إن الادعاء بأن وزارة العمل لا تهتم بشأن المواطنين العاملين في القطاع الخاص وان كل ما تهتم به هو توفير الوظائف المتدنية للبحرينيين هو ادعاء باطل لا أساس له من الصحة، وإن زعم الكاتب الكريم أن ما ساقه من عبارات يعتبر حجة على هذا الاستنتاج الذي جاء منفصلاً كنتيجة عن معطيات ما ساقه من جمل منمقة كمعطيات للاستنتاج. إذ إن وزارة العمل ليست الجهة المعنية بخلق فرص العمل وفق الدور المنوط بها، وإنما ينحصر دورها في عملية المواءمة بين ما هو معروض في سوق العمل من وظائف والباحثين عن العمل باعتماد عدد من المعايير المعلنة والتي إذا لم يطلع عليها الكاتب أو غيره فإن ذلك ليس بسبب تقصير الوزارة في الإعلان عنها وإنما بسبب قصور المطالع، إذ إن صفحات الصحف وأدبيات الوزارة المتعلقة بهذا الشأن والتصريحات الرسمية - والتي تتحمل الوزارة مسئولية كل كلمة فيها - تؤكد أنها لم تعتمد أي معايير غير معلنة. بيد أن مقتضيات التعليق بحسب ما نرى تستدعي أن نذكر الكاتب الكريم بأن عملية المواءمة تجري بناء على متطلبات الوظيفة من جهة، والمؤهل الدراسي للباحث عن عمل وتخصصه وخبرته العملية (إن وجدت) ومهاراته وقدراته وميوله المهنية من الجهة الأخرى. وجاء المشروع الوطني للتوظيف بمبادرة كريمة من جلالة الملك لحفز عملية المواءمة بالدرجة الأساس، إذ تتبنى وزارة العمل تحت مظلة هذا المشروع مهمة تقليص الفجوة بين متطلبات الوظيفة والمعطيات المتوافرة لدى الباحث عن عمل باعتماد عدد من الأدوات من بينها التدريب المهني المتخصص، وتنمية المهارات الذاتية، والدعم المالي خلال الأشهر الستة الأولى من التحاق الباحث عن العمل بالوظيفة بما يساهم في إكسابه الخبرة العملية والمقدرة على القيام بالعمل لدى المؤسسة.
أما فيما يتعلق بادعاء «قلة الأعمال المعروضة في السوق البحرينية»، فإنه ادعاء يحتاج إلى بينة إذ إن عدد ما هو متوافر من شواغر وظيفية يخلقها الاقتصاد الوطني يفوق أعداد المواطنين الباحثين عن عمل، وهذا ما يجعل البحرين كما هي دول الخليج الأخرى بلدا مستوردا للعمالة لا مصدراً لها، وإنما المشكلة الحقيقية هي في عزوف بعض المواطنين عن بعض الأعمال المعروضة من جهة، وتفضيل أصحاب الأعمال للعمالة الوافدة من الجهة الأخرى، أي أن الأمر يتعلق بموضوع الجاذبية بين الباحث عن عمل والقطاع الخاص، وهي المعادلة التي يعمل المشروع الوطني للتوظيف كأحد الأدوات العلاجية على إعادة حال التوازن لها، إلى جانب بعض الأدوات الأخرى كمشروع إصلاح سوق العمل وتوحيد مميزات صندوقي التقاعد والتأمينات الاجتماعية، وقانون العمل الجديد في القطاع الأهلي وغير ذلك من الأدوات. ومحصلة القول، هي أن عدد ما ينشأ من وظائف ليس أقل من حجم الباحثين عن عمل مطلقاً وأن أي ادعاء مناقض لهذه الحقيقة إنما يعبر عن وجهة نظر شخصية غير مبنية على أسس علمية وعلى معطيات رقمية. أما تهمة توفير الوزارة للوظائف المتدنية للباحثين عن العمل، فإنه اتهام لا يرقى لحد المناقشة والتخاصم، إذ إن قاعدة البيانات الخاصة بالشواغر الوظيفية والتي سبق وأن وردت تفاصيل أجورها ومستوياتها في التقارير الرسمية التي تصدرها الوزارة وتوزعها بصورة دورية على جميع وسائل الإعلام المحلية من صحافة وتلفزيون، تشير إلى توزيع الشواغر المتوافرة في القطاع الخاص تحت مظلة المشروع الوطني للتوظيف حتى تاريخ التقرير الأخير الصادر في 26 ابريل/ نيسان 2006، والتي فاق عددها 8000 وظيفة مدرجة - عدا ما هو غير مدرج حتى تاريخ التقرير - جاء على النحو الآتي: المستوى الحرفي - حملة شهادة الثانوية العامة فما دون (75,2 في المئة)، المستوى الفني - حملة شهادة الدبلوم (16,5 في المئة)، المستوى التخصصي - حملة شهادة البكالوريوس فما فوق (8,3 في المئة). وبمقارنة هذه النسب مع نسب الباحثين عن عمل المقبولين في المشروع والتي جاءت على النحو الآتي: حملة شهادة الثانوية العامة فما دون (69,5 في المئة)، حملة شهادة الدبلوم (14,3 في المئة)، حملة شهادة البكالوريوس فما فوق (16,2 في المئة)، يتبين مدى ملاءمة الشواغر المعروضة مع مستويات الباحثين عن عمل.
اتهام آخر ساقه الكاتب تمثل في أن «الوزارة غير فاضية هذه الأيام لسماع المشكلات، ولا تلتفت أصلا لمن يقول لها إن هناك مشكلة ما تحتاج إلى حل» بحسب تعبير الكاتب. ولا ندري مبعث هذا الاستنتاج الذي توصل إليه الكاتب وما إذا كان فعلاً مطلعا على ما تتلقاه الوزارة من شكاوى بصورة يومية وتتعاطى معه بصورة فورية بموجب ما حدده قانون العمل من إجراءات تنظيمية وحقوق وواجبات، الذي يمثل الأداة القانونية التي تتولى الوزارة مسئولية التحقق من تطبيقها والالتزام بما ورد فيها. وإذا كان الكاتب قد رأى أن الوزارة إذا لم تعلق على مقال كان قد كتبه يخوله للوصول لمثل هذا الاستنتاج، فهو أمر متعلق بالكاتب لا بالوزارة. وعلى كل حال فإن أبواب الوزارة مفتوحة أمام الكاتب وغيره من المهتمين والمتابعين للتحقق من صحة ادعاء الوزارة بأنها لم تغلق الباب أمام أية شكوى وردت أو ترد إليها، إذ إن في الوزارة إدارة متخصصة في العلاقات العمالية والتي يندرج تحتها قسم يضم طاقم عمل من القانونيين المختصين في النظر في شكاوى القوى العاملة وآخر للتفتيش العمالي. الأمر الأخير الذي ينبغي التأكيد عليه في هذا السياق هو أن الوزارة لا تتحمل مسئولية معالجة أية مشكلة لم ترد إليها من قبل صاحب الشكوى، إذ لا وجه لتدخل الوزارة.
وقبل أن نختم هذا التعليق، نود تصحيح بعض المعلومات الأولية التي استخدمها الكاتب، أولها أن وزارة العمل قد نظمت حفلا لعيد العمال، والصحيح هو أن هذا الحفل خاص بالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وهو حفل سنوي ينظمه الاتحاد وتشارك فيه الوزارة. ومن الغريب ألا يعلم كاتب صحافي هذا الأمر وهو فعالية سنوية وليس يقام لأول مرة. المعلومة الأخرى التي تحتاج إلى تصحيح، لا للمعلومة ذاتها وإنما لأن الكاتب اتخذها عنوانا ومدخلا لموضوعه لوصم وزارة العمل بصفات غير واقعية وغير لائقة. فقد أشار الكاتب إلى (عبارة) رأى أنها «جملة مشهورة» يقولها الممثل الراحل نجيب الريحاني، وهي - بحسب ما وردت في المقال - «إن لم تكن لي والزمان خرم برم، فلا تكن لي والزمان ترللي»، ثم استطرد الكاتب في محاولة نقدية لفهم تلك العبارة فنسبها مرة للنقود وأخرى للأصدقاء بحثا عن مدخل يستخدم من خلالها كلمة (خرم برم) ليسوقها كصفة للوزارة. والصحيح هو أن هذه (العبارة) ليست من ابتداعات نجيب الريحاني كما رأى الكاتب، وليست «خرم برم» كما رأها الكاتب أو نجيب الريحاني ذاته في فيلمه المعروف، وإنما هي عبارة عن بيت من الشعر لشاعر جاهلي قال فيه:
إذا لم تكن لي والزمان شرم برم
فلا خير فيك والزمان ترللي
ولم يُعرف معنى هذا البيت من الشعر إلا بعد مضي قرابة 800 سنة، إذ إن الشاعر قد تصرف في مفرداته خارج إطار قواعد اللغة، ليكتشف بعد ذلك، المعنى المراد من قول الشاعر وهو (إذا لم تكن لي والزمان شرّ مبُرم - فلا خير فيك والزمان تراءى لي)... أي إذا لم تأتني وقت احتاجك عندما يكون زماني شراً مبرماً (شرم برم)، فلا خير فيك وقد تعدلت الظروف والزمان تراءى لي (ترللي)... وليس في الأمر من (الخرم برم) أي شيء سوى رغبة الكاتب في وصف الوزارة بما يبعث على روح الظرافة والنكتة التي ربما أراد أن يتحلى بها الكاتب..
إقرأ أيضا لـ "مجيد العلوي"العدد 1347 - الأحد 14 مايو 2006م الموافق 15 ربيع الثاني 1427هـ