أثارت التغطية الاعلامية التلفزيونية لأخبار وقائع ما سمي بحوادث شغب ليلة رأس السنة الميلادية 2003، تفاؤلا باتباع تلفزيون البحرين نهجا جديدا ومختلفا في تغطية الاخبار المحلية نتمنى الاستمرار فيه، اذ تعد هذه المرة الأولى التي تتم فيها متابعة تلفزيونية شبه حية قبيل أو وقت الحدث وبثه بعد وقت قصير نسبيا، وخصوصا ان الذي تمت تغطيته حوادث شغب وليس مجرد ندوة أو حفلة ترويج لموضوع ما، وللأمانة فإن التغطية مهما رافقها من سلبيات قد تبعدها عن الحياد إلا انها خطوة جريئة للأمام من قبل التلفزيون نأمل الاستمرار فيها وتطويرها.
اما تناول الصحافة للحدث فإنه عموما أفضل مما درجت عليه الصحافة في السابق على رغم نشرها صور الموقوفين وكأن جميع من تم توقيفهم مدانون وما يلحقه ذلك من ضرر بسمعة الأفراد والتشهير بهم قبل ان يقدموا الى محاكمة عادلة وعلنية تتاح لهم فيها حرية ومكنة الدفاع الحقيقية عن أنفسهم من دون أي انتهاك أو ضغوط خلال فترة التحقيق. ويلاحظ هنا ان مقالات بعض الكتّاب الصحافيين وتصريحات البعض تتسم بكثير من بقايا المرحلة السابقة التي كانت تنقصها الشفافية ويسكنها الهاجس الأمني والطائفي. إلا ان امرا ايجابيا حصل خلافا للتوجهات الصحافية عموما تمثل في تصريح وزير الداخلية، اذ كان الأكثر دقة من الكثير من الكتّاب والمحررين الصحافيين، فقد قال في تصريحه المنشور في عدد السبت الموافق 4 يناير/كانون الثاني الجاري (أهداف أخرى وراء الحادث) مشيرا الى «ان المتورطين اعترفوا بقيامهم بالشغب من دون أي دوافع». ولا شك في ان تصريح الوزير يشكل ردا على الكثير من مطلقي التصريحات المغرضة او المشبوهة التي تحاول الافادة من أي حدث بتصريحات هدفها الظهور والتقرب الى السلطة والغمز واللمز او الذم في التيار المعارض من الجمعيات السياسية محاولين إلصاق تهمة وقوفها وراء حوادث الشغب الأخيرة بل يقول أحدهم ان الحوادث ليست عفوية ولا اعتيادية بدليل ان هناك من كان يتداول (النية المبيتة) لافتعال العنف. ثم يتساءل من الذي يحضر للمواجهة كل يوم مع رجال الأمن؟ فالواضح للعيان ان تلك الحوادث التي لا هدف لها سوى في نفوس المتورطين وحلحلة لعقدة من يريد اثبات ان اجواء الحرية والانفتاح هي التي ساهمت في حصول الحوادث واقعدت رجال الأمن عن القيام بواجبهم في حماية الممتلكات الخاصة والعامة او الافراد ومن يتعدى على حريتهم بحجة ان الشرطة في أوقات سابقة تم انتقادها ووصمها بالمبالغة في الاجراءات اللازمة لمنع بعض حوادث الشغب او انها سبق وان انتهكت حقوق الانسان او انها لم تقم بواجبها في مكافحة السرقات، بل ربما، كما تقول، لأن قانون أمن الدولة لم يعد موجودا للأسف!
فبعض الصحافيين وبعض معتادي الظهور الصحافي يشير الى ان من بين اسباب حوادث الشغب المؤسفة ليلة رأس السنة الميلادية تنظيم المعارضة لمسيرات شعبية مختلفة لبيان موقفها في الكثير من المسائل القومية او الوطنية او المطالبة بالحقوق والانصاف، وان ما ترفعه من شعارات ساهم في حصول اكتناز طائفي دفع ببعض المراهقين الى القيام بأعمال الشغب، بل قال بعضهم ان ترديد نفر (لخرافة السكان الاصليين هو الذي كان وراء الشحن العاطفي الشديد لأولئك المراهقين ضد أكثر من نصف أهالي البحرين، كما ضد أهالي الخليج العربي)، في حين تساءل صحافي قائلا: (من هم الذين يدفعون الى هذا العنف ويزرعون في قلوب الفاعلين الكره؟... وهل هم المنتقدون للمشروعات السياحية؟... وهل هم الواقفون في الظل معارضين للمشروع الاصلاحي بكامله ويريدون العودة بالبلاد الى الحكم البوليسي وإعادة تفعيل قواعد ذلك التي ألغيت ضمن العمل على تطبيق مشروعات الاصلاح من ديمقراطية وقيام مجالس انطلاقا من الايمان بهذه الديمقراطية)؟
الغريب في الأمر كما تلاحظون ان بعض الصحافيين وبعض الاشخاص الذين كانوا يتظاهرون بالمعارضة او كانوا منها، هم من يتولى تسييس كل حدث وإلقاء تبعته أو إلقائه على المعارضة او طائفة من الناس بالنيابة عن الأجهزة الرسمية التي كانت عادة تقوم بهذه المهمة. ويبدو ان الأجهزة الرسمية أخذت تستوعب الطرح الموضوعي سواء كان من المعارضة او غيرها، وتنحو الى التعامل مع الظواهر الاجتماعية والاشكاليات بطريقة تنسجم مع الشعارات المرفوعة بشأن الديمقراطية او الانفتاح، في حين ينظر بعض المثقفين والصحافيين المداحين وبعض النواب، ويعملون على تبرير القمع واعتماده وسيلة لعلاج أية مشكلة ويطالبون بتشديد العقوبة على المتهمين او الضرب بيد من حديد ثم يلقون بالمسئولية تصريحا او تلميحا على بعض مظاهر الانفتاح او المعارضة، ولا يأبهون بعودة بعض المظاهر في التعامل مع المشتبه بهم وعودة ثقافة (اذا ما طقوه شلون يعترف) والتمويه ومنع الأهالي من مقابلة ذويهم او عدم تمكين المحامي من مقابلة موكله الموقوف على رغم تشدقهم بحقوق الانسان والديمقراطية.
وفي اعتقادي ان الحوادث التي حصلت ليلة رأس السنة وكذلك ازدياد حوادث السرقات بحاجة الى دراسة علمية باعتبارها ظاهرة اجتماعية متعددة الاسباب والدوافع ووضع الحلول المناسبة لها وليس استثمارها من أجل المصالح الخاصة بكل طرف أو جهة أو فرد مهما كان الموقع، وان العمل على معالجة أية مشكلة أو حلها مسئولية مجتمعية متكاملة وليس بالقمع وحده أو تبادل الاتهامات تبنى وتدار المجتمعات أو تصل الى الديمقراطية
إقرأ أيضا لـ "عيسى ابراهيم"العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ