العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ

تجسس وعجائب «عصر ما بعد الحداثة»...

أفق آخر (منصور الجمري) editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

هكذا انفجرت حوادث القصة المخابراتية في مطلع فبراير/شباط 1999. جابر سليم، 43 عاما، ترأس فرع المخابرات العراقية في أوروبا الشرقية حتى ديسمبر/كانون الثاني 1998، كما ادعت الصحف التشيكية والبريطانية آنذاك. أثناء عمله في المخابرات العراقية كان أيضا يعمل لصالح المخابرات البريطانية (MI6) ويسلمها معلومات عن قدرة العراق العسكرية وسعي الحكومة هناك لتطوير «أسلحة الدمار الشامل». الضابط البريطاني الذي تعامل مع جابر سليم كان «كريستوفر هوران»، والاثنان يعملان تحت الغطاء الدبلوماسي. البريطاني كريستوفر احتج لدى الحكومة التشيكية على طريقة تعامل المخابرات التشيكية مع المعلومات بصدد هذا الموضوع. وعلى أساس هذه الشكوى تمت إقالة رئيس المخابرات التشيكي كارل فلولتيرن في مطلع 1999.

بعض التشيكيين أوصلوا المعلومات للصحافة، وتم نشر اسم ضابط المخابرات البريطاني وصورة منزله ومعلومات عن حياته الخاصة، وكيف انه شاذ جنسيا ويعيش مع شخص من فنزويلا. البريطانيون سارعوا إلى إخراج جابر سليم من التشيك إلى بريطانيا، كما أخرجوا معه 150 حقيبة مملوءة بالوثائق التي سلمها للبريطانيين الذين أسكنوه في مكان سري، وبدأوا بتفريغ المعلومات. الحكومة البريطانية من جانبها صرحت بأنها لن تفرط بالضابط البريطاني ولن تأبه بالحديث عن حياته الخاصة وشذوذه الجنسي لأن الممارسة الجنسية بين الذكور والذكور أو الإناث والإناث «ليس عيبا» و«ليس شذوذا» في أميركا وأوروبا التي تعيش في عصر «ما بعد الحداثة».

في نهاية يناير/كانون الثاني 1999، كانت هناك قصة أخرى. توماس سبنسر، عضو البرلمان الأوروبي والنائب عن منطقة تابعة تاريخيا لحزب المحافظين البريطاني، أوقفته شرطة المطار في لندن بعد قدومه من احدى جلسات البرلمان الأوروبي وبحوزته مخدرات ومجلات خلاعية. حزب المحافظين، من المفترض منه أن يحافظ على العادات والتقاليد، خصوصا ما يخص العائلة ومفاهيم الزوجية حسب التعاليم المسيحية البروتستانتية. أحد أعضاء الحزب، وعضو في البرلمان الأوروبي متزوج منذ 19 عاما وله ابنتان، له حياة أخرى في اللهو واللعب والشذوذ الجنسي. مباشرة بعد أن أعلنت الصحف الخبر، ظهر النائب (الذي استقال من الحزب وأعلن عزمه عدم دخول البرلمان مرة أخرى)، ظهر مع زوجته وبناته «يبتسم». وظهرت زوجته للصحافة لتقول إنها كانت تعلم أن زوجها شاذ جنسيا وإنه مارس الشذوذ الجنسي بكامل علمها.

قبل فترة من تلك الحادثة استقال وزير بارز في حزب العمال (بل انه الوزير المسئول عن مقاطعة ويلز) بعد افتضاح أمره عندما قام ثلاثة من الأشخاص بسرقته وسرقة سيارته. الوزير السابق «رون دايفس» كان متزوجا ولديه عائلة ولكن عائلته لم تعرف أي شيء عن ميوله الجنسية. وعندما رجع ذات مرة من منطقته (ويلز) التي يعيش فيها إلى لندن خرج مع ثلاثة أشخاص - لا يعرفهم ولكنه رغب في ممارسة الشذوذ معهم- ليلا. ولكن الأشخاص الثلاثة ضربوه وسرقوه واضطر للذهاب إلى الشرطة. وخلال 24 ساعة أصبح الوزير المتقدم في منصبه ميتا من الناحية السياسية، بعد أن كشفت الصحافة عن حياته الجنسية الشاذة.

قصص أخرى، وكثيرة، تجعل المرء يفكر أن بيل كلينتون ربما كان «شريفا جدا» عند مقارنته بما يدور في عالم اليوم. بيل كلينتون لديه زوجه وبنت، والعائلة متماسكة جدا على رغم انتشار أكبر فضيحة جنسية لرئيس أميركي. زوجة كلينتون لم تتوقف لحظة عن دعم زوجها.

الا ان الحديث عن الشذوذ الجنسي والشرف والعفة والعرض وطهارة المولد، مصطلحات قديمة جدا، لا تتلاءم مع عصر «ما بعد الحداثة» الأوروبي - الأميركي.

التعريف للأخلاق يخضع لهجوم متواصل واعادة تعريف، ثم اعادة تعريف، إلى الدرجة التي يختفي فيها أي مفهوم ثابت (حتى لو لم يكن ديني) لمعنى الفضيلة. بل أن هناك بعض رجال الدين في بعض الكنائس (كنائس ما بعد الحداثة) تدعو للاحتفال بزواج الشاذين جنسيا حسب المراسيم الدينية. الشاذون جنسيا يطالبون بتغيير المصطلحات السياسية والدينية واللغوية التي تميّز ضدهم جميعها، ويطالبون باصدار قوانين تمنع استخدام مصطلحات مثل «الشذوذ»، لأنهم - كما يقولون - ليسوا شاذين، بل أناس عاديون لهم حقوقهم الكاملة.

الاعلام والسينما تعرض أفلاما تظهر هذا النوع من السلوك وكأنه أمر طبيعي لا يدعو للدهشة. المندهشون أصبحوا هم الشاذين في عصر «ما بعد الحداثة». فلو اندهشت من أمر كهذا فانك «تقليدي» لا تصلح للعصر الحديث. وانت شاذ في «عصر ما بعد الحداثة».

نبتعد قليلا عن هذا الموضوع لكي نتنفس الصعداء. ولكننا لا نستطيع ذلك، لأن «عصر ما بعد الحداثة» قلب كل شيء في مجالات الحياة جميعها. والتر مورجان لديه شركة متطورة علميا ولديه مزارع ومختبرات كثيرة لممارسة مهنته. مهنته هي زراعة النخيل، نعم «النخيل» في بريطانيا في منطقة سومرست. مورجان يقول إنه قام «بتصدير نصف مليون نخلة صغيرة إلى الأردن ومصر والكويت والإمارات والسعودية والبحرين وقطر وعمان»، وإن أرباح شركته قائمة على «تصدير النخيل لبلاد النخيل». يضيف مورجان انه متخصص في تزويد القصور والمزارع في بلدان النخيل ومتخصص في رعاية زراعة النخيل في بلاد النخيل. يسألونه، كيف تستطيع القيام بهذا العمل؟ وكيف تتمكن من زراعة النخيل في بريطانيا وتصديرها لبلدان النخيل؟ يقول إنه متطور تكنولوجيا ويستطيع تصدير «البرحي» لتلك البلاد التي يرتبط تاريخها بالنخيل، وليس هناك منافسة من تلك البلدان في الوقت الحاضر. وأضيف له بانه لن تكون هناك له في المستقبل لأننا نعيش عصر ما بعد الحداثة الأوروبي - الأميركي، إذ تنقلب المعادلات رأسا على عقب

إقرأ أيضا لـ "أفق آخر (منصور الجمري)"

العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً