العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ

أخطبوط السرقات والأعمال العبثية

حسن المتروك comments [at] alwasatnews.com

.

النزعات الاجتماعية لدى الإنسان فطرية وبعبارة أخرى إنه ينزع إلى العيش والتعاون مع غيره نزوعا ذاتيا أصيلا لا مجرد مقتضيات الحياة ولوازم العيش براحة واطمئنان وحسب. بل لشعور عميق الجذور في جبلته وخلقته والعمل على تحقيق القيم والمثل والمبادئ الإنسانية الرفيعة لدى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة من أجل أن تسود علاقات المحبة والمساواة والتضامن والعدالة والحرية والأمن بين الناس إلا أن مخططات الجاهلية الحديثة التي سيطرت ردحا من الزمن على قدراتنا، وعملت على تخريب أهداف الوحدة والتربية لدينا حتى أفرزت قيح فكرها المنحل انهيارا في الأخلاق وفوضى في العلاقات وفسادا بين الأشخاص وخصوصا في المجتمعات الإسلامية.

إذ نلقى الضوء في عالمنا الصير نجد أن أخطبوط «سرطان السرقات والتخريب» دخل مجتمعنا قبل فترة من دون الوقاية من هذا السرطان حتى تحولت فرحة الناس بقدوم العام الجديد 2003م إلى كابوس مفزع في حياتهم وذكرى أليمة لما وقع في بلدهم عندما تفاجأوا بوقوع أعمال التخريب في شارع المعارض وسيطر هذا الأخطبوط على تلك الليلة، لم تكن تلك الحوادث طبيعية ولم تكن مألوفة لدى شعبنا المسالم، فقد بدأ هذا المسلسل على شكل حلقات من مسلسل سرقات في جميع أنحاء مناطق مملكتنا، ففي صباح كل يوم نسمع ونقرأ في الصحف المحلية عن مسلسل جديد من السرقات من دون العثور أو القبض على أبطالها.

هذه المسلسلات الغريبة على مجتمعنا إنما نبعت عن تقليد الغرب والتخلي عن مبادئ ديننا الحنيف والابتعاد عن تقاليدنا العريقة التي أخذت من أصل الإسلام، هذه الحوادث الأخيرة والتي احتفل بها المخربون وبدأوا بها عامهم الجديد إنما هي ضربة موجهة إلى هامة المجتمع لإيقاظه وتوعيته وجذب اهتمامه لفئة الشباب المهمل من قبل جميع المؤسسات، علينا أن نسارع لإصلاح ورتق الفتق بدءا بالمنزل وتعليم الأهل أطفالهم منذ نعومة أظافرهم مبادئ الدين قبل تعليم القراءة والكتابة وتعليمهم الصلاة ومراقبتهم للحفاظ عليها، لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتجعل الضمير مستيقظا. ومن هنا علينا أن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة لنجد حلولا جدية للظاهرة المتفشية، وإن شاء الله تكون ظاهرة مؤقتة لا تتكرر مرة أخرى.

ما هي الدوافع التي جعلت هذه الفئة من الشباب العاطلين يقومون بهذه الحوادث؟ وهل هي طريقة لإيصال رسالة؟

من هم أبطال مسلسل السرقات اليومية؟ ولماذا لا يتم القبض عليهم؟ هل هو قصور في الجهات المعنية ومختبراتها؟

لماذا تحول شباب هذا المجتمع إلى هذا النوع من الأعمال الإجرامية؟ وما الأسباب؟

لماذا نلقي اللوم والتهم على طائفة دون أخرى، مع العلم بأن هذا العدد الكبير يحتوي على جميع الفئات؟

ما هي الدوافع من وراء نشر صور المتهمين قبل إدانتهم في حوادث الشغب الأخيرة؟ وهل الوجود فقط من دون إحداث شغب في منطقة التخريب دليل على إدانتهم؟

هل الكتابة في الصحف اليومية عن تقليص الحريات سيحد من المشكلة، أم سيزيد من حدتها وتفاقمها؟

ولا يبدو من خلال كتابة هذا الموضوع أننا نتساءل، بل نحن نعرف علل مجتمعنا جيدا. لقد تفشت ظاهرة السرقات وبشكل مكثف جرّاء عدم تطبيق العدالة الصارمة ضد الذين ينتهكون حرمة المنازل خصوصا لأنهم يشكلون وبطريقة مباشرة خطرا على الأعراض والأرواح، وحتى عندما يتم القبض عليهم لِمَ لا تتم معاقبتهم بشكل رادع وجعلهم عبرة ونشر صورهم في الصحف المحلية بعد إدانتهم؟

وفي اعتقادي إن المسئولية تقع على المؤسسات جميعا كالبيت والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني والجهات الرسمية في زرع الأخلاق التي تمنع الفرد من القيام بهذه الأعمال في المستقبل، وخصوصا أن التربية تعتبر عملية بناء وتوجيه الإنسان والوصول به إلى مرحلة النضج والكمال في مختلف مراحل حياته وأبعاد كيانه وخصوصا في المرحلة التي يحتاج فيها الإنسان إلى الشدة مترافقة مع الحنان والعطف والنصح والإرشاد وليس الحزم فقط كأن الطفل أو الشخص آلة لتنفيذ التعليمات، وتعاون الدولة ومؤسساتها للقيام بدورها نحو المسألة التربوية والترفيهية والتعليمية حتى يحصل كل شخص على احتياجاته لإحراق ما لديه من طاقة لبناء الوطن من تعلم وترفيه يوجه إلى الطفل وحتى النضج.

ومن هنا نقول: هذا التخريب الذي حدث إنما هو تخريب ظاهري فقط والذي سنجده في المستقبل إذا واصلنا على هذا المنوال ولم نجد الحلول المناسبة سنجد تخريبا لقيمنا وتقاليدنا وتعليم ديننا من جذورها، فيجب ألا ندع المجال للظواهر التي تؤثر مباشرة في فكر الطفل لينشأ عليها على أنه أمر اعتيادي حتى ظاهرة البغاء وظاهرة الجنس الثالث وظاهرة المراقص والراقصات المنتشرة في غالبية ـ إذا لم تكن جميع ـ فنادق البحرين، وبيع الخمور وغيرها التي يعجز اللسان عن إحصائها، فهذه ليست تشجيعا للسياحة كما يدعون ولا لزيادة مدخول المملكة على حساب المواطن، فهذا شيء ترفضه حكومتنا الموقرة. إن هذه الظواهر تجلب كل فرد ضعيف الإيمان إلى مملكتنا الكريمة ليعبث فيها، وليته يقتصر على المتاح له كما يدعون من تشجيع سياحة للرذيلة، وإنما يحسب كل امرأة على أرض مملكتنا الطاهرة هي فريسة سهلة يستطيع الانقضاض عليها. يجب أن تلتفت المملكة وتحمي شبابها، فهذه الظواهر المنتشرة في وطننا يجب أن يتداولها المسئولون قبل أن يناقشوا التخريب، فالمسألة يجب أن تُحل من جذورها، وهي الفرص المتاحة نحو هذه الظواهر الكثيرة التي في متناول اليد، ما جعلت تعاليم الدين حبرا على ورق فقط، ما يجعل بالتالي السرقة والتخريب والاغتصاب للراقصات وغيرهن والألفاظ النابية التي تخدش الحياء وهتك أعراض الناس والتسبب في الحوادث المرورية وقتل الأرواح وهم تحت تأثير الخمر، ناهيك عن تفكك الأسرة. فالأسرة ليست وحدها مسئولة عما حدث أو فئة معينة، لأن الوسائل المتاحة للشباب خارج المنزل متعددة ومتنوعة، فمن أين سنأتي بمجتمع سليم إذا لم تكن اللبنة الأساسية سليمة وقوية.

إن معالجة ما حدث هي مسئولية الجميع مع عدم الاقتباس من التربية والحلول الأجنبية في حل ولو جزء من قضيتنا، بعد أن أثبتت التربية الأجنبية فشلها بالنسبة إلى فئات مجتمعهم المتفكك، فنحن لدينا أكبر مرجع ومدرسة وهو ديننا الحنيف وقرآننا الكريم.

إن المجتمع البحريني مقبل على مرحلة جديدة نحو الأمام ولسنا بحاجة إلى أن نخطو ولو خطوة واحدة إلى الوراء، بعد أن قطعنا هذا الشوط الكبير في هذه المرحلة والنقلة الحضارية التي تمر بها مملكتنا، مع تمنياتي أن تأخذ الكفاءات دورها في إرشاد مجتمعنا واقتلاع هذه الظواهر الدخيلة من جذورها بالتعاون مع جميع الجهات الرسمية والمدنية في المستقبل القريب

العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً