العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ

أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟

لوقف المزيد من الاعتداءات على شعب العراق:

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

سنوات طويلة والكثير منا يردد هذه العبارة ويستخدمها في مواقع كثيرة، تشبيها وتلميحا وتعظيما، وأحسب أن كثيرين قد استخدموها للسخرية أيضا خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحكام العرب الذين أصبحوا ظاهرة منفردة في كل دول العالم... إذ أن الحاكم العربي يصبح دائما حاكما مدى الحياة، ونادرا ما تجد دولة من الدول العربية اتخذت من تداول السلطة نظاما وتقليدا راسخا، حتى غدا كثير من المتربصين والمتشفين بنا يرددون مقولة «أما آن لهذا الفارس أن يترجل» سخرية وتهكما على كثير من أوضاعنا المزري التي تصل إلى حد العجز لدى بعض الحكام لكنهم يتمسكون بمواقعهم في انتظار ملك التغيير (عزرائيل).

لن يستخدم الموضوع اليوم هذه العبارة للتهجم على أي من الحكام العرب كما قد يعتقد البعض أو يستنتج، ذلك لأن «الضرب في الميت حرام»، بل للفت الانتباه إلى أن هذه الصرخة المدوية التي أطلقتها أسماء بنت أبي بكر حين لمست قدمي ابنها عبدالله بن الزبير مشنوقا، حتى غدت مضربا للأمثال تنطبق اليوم على الشعوب العربية بشكل عام إذ باتت تضبط تحركاتها وأنفاسها على مقاس الحاكم الذي يتولى إدارة كل شئون البلاد بلا حسيب أو رقيب، إلا أن للشعبين الفلسطيني والعراقي وضعهما الخاص، فهم في الوقت الذي يشتركون فيه مع الشعوب العربية كافة في الجزء الأول إلا أنهم يعانون ازدواجية في الاضطهاد وإمعانا في الصلب من قبل الصهيونية في فلسطين والعدوان الأميركاني والإنجليزي الظالم في العراق الذي جاء إلى منطقتنا عونا فأصبح فرعون، وقد ضاعف ذلك مما يعانيه الشعب العراقي المظلوم من ويلات وحروب منذ أكثر من ربع قرن من الزمان.

ويبدو أن محكمة مجلس الأمن (الأميركية) قد أصدرت حكمها النهائي ضد هذا الشعب وأصدرت فرمانا أميركيا بصلبه على الأشهاد وتجويعه وإخضاعه إلى رقابة دائمة ودائبة آناء الليل والنهار حتى لا يفكر أبدا في ابتكار أسلحة الدمار، والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة الأميركية التي تتباهى بكونها القوة الأعظم في العالم حاليا، كانت ولاتزال هي السبب وراء انتشار أسلحة الدمار الشامل بشكل مباشر أو غير مباشر وأكبر مثال على ذلك حجم الترسانة النووية التي تمتلكها الدولة اللقيطة (إسرائيل) ربيبة أميركا وابنتها المدللة السرطانية السلوك والمنشأ.

لكنني هنا لن أتوجه باللوم أو العتاب إلى أميركا وأعوانها... فهم أي الأميركان يفكرون في السيطرة على آبار النفط ومصادر الطاقة تحت أية حجج وذرائع، كما يفكرون في إيجاد أسواق عالمية مفتوحة حتى يكون الجو صافيا لبضائعهم وتجارتهم القائمة على الاستغلال البشع والاحتكار البغيض. وأعود إلى العراق فألفت الانتباه أولا إلى أنني لست من المدافعين عن صدام ولا يعنيني ذهابه أو بقاؤه في سلطة الحكم، فذلك بالنسبة إليّ شأن عراقي في المقام الأول والأخير، لكنني هنا أنبه إلى شعب العراق لا يستأهل من إخوانه وأشقائه العرب، كل هذا الجفاء والتغاضي وكأن الأمر لا يعنيهم، لقد بقي هذا الشعب تحت الحصار أكثر من 12 سنة من دون وجه حق ومن دون أي تعاطف يذكر من الشعوب العربية كافة التي اكتفت بإرسال المواد الغذائية في بعض الفترات، وأغمضت عيونها وسدت آذانها عن أن تسمع أو تشاهد آلاف الأطفال العراقيين وهم يموتون يوميا بسبب أمراض اللوكيميا أو نتيجة للجوع أو قلة الدواء، كما تجاهلنا جميعا صرخات الأمهات الثاكلات الفاقدات لأبنائهن أو أزواجهن أو أشقائهن واللاتي كن ينادين الإخوة العربية ويحشمن الرجولة والعروبة والإسلام فلا يجدن عينا تدمع ولا أذنا تسمع.

هل يصدق أحد منا أن شعب العراق ومنذ العام 1980 لم يذق طعم الراحة، ولم يذق طعم النوم الهادي... وأن الحزن منذ ذلك التاريخ الذي اندلعت فيه حرب الخليج الأولى لايزال يخيّم على مقدرات وآمال وطموح أفراد هذا الشعب الذي صفق له كثيرون... وأغدق عليه الجميع يوم كان في حرب مع جارته المسلمة إيران «رب قائل إن ذلك ذنب القيادة العراقية التي لم تتبين الدرب ولم تزن الأمور كما يجب وهي التي تقود شعبها من مصيبة إلى أخرى»، عجبا... ألم نكن نحن من ينادي بالدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي؟ ألم تكن أموالنا تلك التي اشترت كل ذلك السلاح الذي ذهب به الشعب العراقي إلى الحرب؟ ألم يكن صمتنا القاتل هو الذي أجج الحرب وأطال مداها حتى استمرت 8 سنوات بأيامها ولياليها؟ ألم تكن موانئنا تستقبل الآليات والدبابات والأسلحة والعتاد وتعيد شحنها إلى العراق ليحرق في أتون معركة تبين لنا لاحقا أننا جميعا كنا فيها خاسرين؟

هل يتذكر أحد منكم مسيرة واحدة انطلقت في أي من البلاد العربية تندد بالحرب في تلك الأيام؟ لقد كان الجو مكهربا ومشحونا حد التوتر والانفعال، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ملايين العرب المتطوعين أو المدفوعين إلى التطوع ساهموا في تلك الحرب التي أسست لبؤس الشعب العراقي! ملايين من الدولارات وبراميل النفط تم توظيفها لإشعال الحرب أكثر وأكثر!! إذن نحن ساهمنا في دفع الشعب العراقي نحو الهاوية... ودائما كان الشعب العراقي يدفع الثمن غاليا ونحن نتفرج!! اليوم... تزحف قوات الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق مجددا... أمام سمعنا وبصرنا، ونحن ندعي بأن لا حول لنا ولا قوة! نرى الشعب العراقي مصلوبا ترمي جسده الصواريخ عابرة القارات والمحيطات، وتقصفه طائرات الأباتشي وستيلت وإف 16 بكل أسلحة الدمار الشامل ونحن نقول وننادي بالتضامن مع الشعب العراقي! لا أحد يدري عن أي نوع من أنواع التضامن نتحدث؟

هل يكون تضامننا مع الشعب العراقي عبر تزويد من يريد رجمه بالصواريخ والقنابل الحارقة بالنفط وبالمخازن وبالإسناد الغذائي واللوجستي؟ هل يكون ذلك عبر فتح مستشفياتنا للجنود الأميركان المصابين في هذه الحرب؟ هل يكون عبر توفير الأجواء الآمنة لهم في فنادقنا وشققنا المفروشة؟ هل يكون التضامن مع الشعب العراقي عبر وضع مطاراتنا العربية تحت تصرف الأميركان والإنجليز يشنوا غارات الدمار ضد الشعب العراقي؟ هل يكون تضامننا عبر تأجير القواعد البرية والبحرية لهذه القوات الغازية.

أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابة، وأشعر بأن الجميع مطالب بالتفكير في التعاطي معها بروح المسئولية، وبالمناسبة فإن ذلك ليس دفاعا عن شعب العراق فحسب، قد يكون ذلك دفاعا عنا نحن الشعوب العربية والمسلمة الأخرى التي لم يحن دورنا بعد!

«أكلت يوم أكل الثور الأبيض»... مثل عربي رزين يقول لنا: «إن الأسد الجائع لثرواتنا ولأسواقنا لن يوزع علينا المن والسلوى... ولن يجلب لنا الانفتاح والديمقراطية والتعددية السياسية وحماية حقوق الإنسان والحريات المدنية مجانا وحبا لنا ولسواد عيوننا لأن ما بني على باطل باطلا مهما طال الزمان أو قصر، وبذلك لا يمكن أن تأتي الديمقراطية على دبابة ومدفع، ولا يمكن أن تكون حقوق الإنسان مرتكزة على انتهاك حقوق الشعب العراقي وتجويع أطفاله وإذلال نسائه ورجاله».

من هنا نستنتج أن الحرب إن بدأت فلن تتوقف حتى وإن سكتت المدافع... لأن التداعيات تكون قد تحررت من عقالها، وعندما لا يأمن أحد منا حتى على نفسه أو عياله.

أعتقد أننا مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى باليقظة، والحذر وعدم الانجرار وراء الأحلام الواهية التي يحاول العم سام أن يوزعها في بلادنا، ونحن بكل تأكيد مطالبون بأن يكون تضامننا مع الشعب العراقي مقرونا بالأفعال قبل الأقوال.

وفي جميع الأحوال فإن أبسط ما يمكننا فعله هو ألا نشترك في هذه الجريمة النتنة التي فاحت رائحتها أكثر حين أعلنت لجان التفتيش الدولية عدم وجود أية دلائل على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ومع ذلك تصر أميركا على غزو العراق وليس توجيه ضربة أو ضربات له، فهي تفعل ذلك منذ أكثر من 12 عاما، ولم تكتفِ بعد لأن الهدف هو احتلال منابع النفط العربية كلها، وليست آبار النفط العراقية سوى البداية.

ولم يكن النفط هو الهدف... لما تجاهلت أميركا إعلان كوريا الشمالية انسحابها من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وهي أشد أسلحة الدمار الشامل فتكا بتوقيع أميركا نفسها يوم أن ألقت قنابلها النووية المدمرة على كل من ناجازاكي وهيروشيما في اليابان، وعلى رغم ذلك فإن الحوار مع كوريا سيكون رحيما وسلميا... لأن الفقر والجوع والمرض هي سادة الموقف هناك... إذ لا نفط ولا ثروات يحارب الأميركان من أجلها.

وهنا يمكن طرح بعضا من الأسئلة عما يمكن عمله تجاه ما يحدث من استعدادات لصلب الشعب العراقي وجلده للمرة الثالثة أو الرابعة:

- هل يمكن الضغط على التجار العرب من أجل زيادة التبرعات وإرسال شحنات غذاء ودواء إلى الشعب العراقي؟

- هل يمكن الضغط على الأنظمة العربية من أجل كسر الحصار على الشعب العراقي وتطبيع العلاقات معه؟

- هل يمكن الضغط على جامعة الدول العربية لاتخاذ مواقف أكثر جدية في دعم الشعب العراقي؟

- هل يمكن تحويل القمة العربية المقبلة في البحرين إلى قمة التضامن مع الشعب العربي في العراق وفلسطين من خلال الضغط الشعبي المنظم والمبرمج؟

إذا كان جواب أي من الأسئلة أعلاه نعم، فإننا مطالبون بالتفكير في كيف يمكن تنفيذ هذه الـ «نعم» وتحويلها إلى آليات وخطط وبرامج عملية.

«لقد آن للشعب العراقي أن يترجل»

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً