العدد 1337 - الخميس 04 مايو 2006م الموافق 05 ربيع الثاني 1427هـ

التلاعب بالعقل البشري... في مستشفى الطب النفسي

ماجد كاظم البلادي comments [at] alwasatnews.com

-

لويس مارينوف طبيب نفساني أميركي ودكتوراه في الفلسفة، ألف كتابا بعنوان «PLATO NOT PROZAC» (افلاطون وليس بروزاك) «افلاطون عالم الفلسفة الإغريقي وبروزاك دواء يصفه الأطباء لمعالجة حالات الاكتئاب. وقد يتساءل القارئ ما علاقة افلاطون بهذا الدواء؟! مارينوف ينصح زملاءه الاطباء بالابتعاد قدر الامكان عن الاعتماد على الادوية في علاج الحالات النفسية ويوصي باتباع اسلوب يعتمد على التعاطي الفكري مع الحالة النفسية والتعامل معها بطريقة فلسفية حسية وروحية بمنأى عن التأثير الكيماوي للأدوية.

لدي اخت تعاني من اكتئاب حاد منذ فترة تناهز ثلاثة اعوام ولم تكن حالتها بهذا السوء آنذاك. تتناول كثيرا من الادوية التي يصفها لها اطباء المستشفى ويقومون بتغييرها بين فترة وأخرى وكل مرة يجربون أدوية مختلفة وكأنها حقل تجارب ومختبر للادوية ولم يطرأ على حالها أي تحسن حتى الآن. لست طبيباً نفسياً ولكنه امر بديهي أن ندرك أن أي علاج وخصوصاً العلاج النفسي يعتمد قبل كل شيء على اعطاء المريض آذانا صاغية في بيئة علاجية مريحة تضفي الطمأنينة والشعور بالامان والراحة النفسية والثقة بالطبيب ليتمكن من الافضاء بما في نفسه وما يعانيه من امور قادته الى طلب العلاج النفسي.

قبل فترة قررت اصطحاب اختي الى المستشفى النفسي لعلي استطيع بالتعاون مع طبيبتها تقديم أي شيء يساهم في تحسين حالها وتبادل الآراء بشأن وضعها النفسي الذي ساء جدا في الفترة الاخيرة. كان يوما حافلا بدأ بتقديم البطاقة السكانية لتحضير الملف ثم جلسنا في قاعة الانتظار وكانت الساعة الثامنة والنصف صباحا والمقاعد شبه مليئة بالمراجعين والجدران نظيفة من أي منظر طبيعي يجلب للنفس الراحة كمنظر غروب أو شروق أو شجر أو حتى وردة أو مزهرية.

في المقعد المجاور شخص يحدث نفسه ويقول: هذي حالتنا... كل مرة نجي وننتظر ساعات والنتيجة يعطونك هالحبوب وتعال بعد شهر، ليش ما يعطوني بطاقة وكل مرة أوديها الصيدلية واخذ الدواء؟ قلت له: يا حجي لازم يشوفك الدكتور علشان يطمئن عليك... اجاب: يشوفني علشان يعطيني الادوية؟ مافي داعي. وكان الاحباط واضحا من نبرات صوته الشاكي الذي يتوق الى من يستمع اليه.

بعد قرابة ساعة من الانتظار ذهبت الى الكاتبة وسألت عن الدكتورة التي سنقابلها فقالت: قد تكون في مكتبها الخاص بالطابق العلوي أو انها لم تصل حتى الآن، قمت بجولة غادياً واتياً في الممر والمكاتب خاوية. هنيئا للاطباء ساعات الدوام المريحة ونعمة القدوم للعمل على أقل من المهل. رجعت للكاتبة وسألتها: ربما تكون الدكتورة في جولة لتفقد المرضى في الاجنحة... فأجابت: لا اعتقد ذلك ولكنها حتما ستأتي.

رجعت الى القاعة وجلست بجانب شخص ينتظر دوره ايضا، وتبادلنا التحية ثم حدثته عن تغير نظرة الناس والمجتمع الى الطب النفسي، فحتى بداية السبعينات كان يطلق على هذا المستشفى «دور المجانين» ولا يقدم الناس على العلاج فيه خوفا من تسميتهم بالمجانين، اما الآن فقد تغير الوضع بدليل ان هذه القاعة مليئة بالمراجعين.

رد عليّ قائلاً: يا اخي هؤلاء الناس وانا منهم لم نأت الى هنا الا بسبب الضغط النفسي الذي نعانيه من هموم المعيشة في هذا البلد. قلت له يا اخي لا تتشاءم فسيصل دكتورك قريبا وعسى ان يأتيك بما يخفف معاناتك. وصلت الدكتورة... ولم يتأخر دورنا كثيرا لانه كما لاحظت، كل معاينة لم تستغرق اكثر من بضع دقائق. استأذنت من الدكتورة بان ا دخل مع اختي فلم تمانع... فتحت الملف وقالت: ماذا تشعرين اليوم؟ اجابت أختي: ضيق نفس وحرارة في الصدر وتعبانة واجد. قالت الدكتورة: سأغير لك الدواء واعطتنا الوصفة لنذهب الى الصيدلية، قلت يا دكتورة مضت سنوات ولم يطرأ تحسن على حالتها وتغيير الادوية لم يجد شيئا. اجابت بان عندها اكتئاب مزمن وهذا النوع من الحالات يستمر طويلا ولكن آمل ان هذا الدواء الجديد سيفيدها. واغلقت الملف واخذنا الدواء والموعد التالي بعد شهر.

بعد ايام ساءت الحال ولم يجد الدواء نفعا فأخذتها مرة أخرى لقضاء يوم آخر لدى الطب النفسي. كانت الدكتورة في جولة داخل الاجنحة ولم نستطع مقابلتها فانتظرنا حتى يأتي دورنا لمقابلة طبيبة أخرى. وكما عملت في الزيارة السابقة وقفت في الممر اراقب بعض ما يحدث، شاهدت شباباً في مقتبل العمر أتوا الى المستشفى، زهور اقتطفتها قسوة الزمن أو انهم قسوا على انفسهم ام هناك اسباب أخرى، سألت احدهم وهو من قريتنا عسى ما شر... قال: اداوم هنا في الشهر يوم لاخذ ادويتي وارحل... هل تستطيع توصيلي الى البيت فليس في جيبي شيء يوصلني فأنا مازلت عاطلاً عن العمل، شابان اخران يقودهما شرطي وبيد كل منهما وصفة طبية متوجهين الى الصيدلية، يبدو انهما رهن التوقيف لسبب ما.

وقفت للتساؤل عما يحدث لبعض شبابنا ومجتمعنا، وعلى الجهات المعنية كوزارة الشئون الاجتماعية دراسة وضع هذه الشريحة من الشباب ومشكلاتهم بدلاً من الاكتفاء بلومهم على الانحراف أو الانخراط في ما يقدمون عليه من سلوكيات. لدينا جامعات ومراكز للدراسات والبحوث لماذا لا يتم التعاون بين الوزارات المعنية وهذه الجهات لدراسة الظواهر والمشكلات النفسية التي يعاني منها مجتمعنا، إذ تشير الدراسات إلى أن ما يقارب من 40 في المئة من المرضى الذين يتلقون العلاج في المراكز الصحية تعزى امراضهم لاسباب نفسية.

تعلمت الكثير على هامش زيارتي للمستشفى النفسي، واحيانا كنت أضحك، وشر البلية ما يضحك عندما خرج شاب برفقة والدته من غرفة الطبيب وهي تعاتبه: يا ولدي قلت لك لا تفكر واجد، تصك على روحك الحجرة أسبوع ليش ما تطلع ترفه عن نفسك؟ اجابها: يا اماه خليني في حالي، الطلعة تبغي فلوس. وبعدين اللي يسمعك يقول كل شيء في هالديرة ماشي عدل ومو ناقصني إلا اطلع ارفه عن نفسي!

اتى دورنا ودخلنا على طبيبة شابة تبدو حديثة التخرج وتعمل تحت اشراف الدكتورة الاستشارية، فتحت الملف وسألت بماذا تشعرين؟ ضيق نفس وحرارة وثقل على صدري. سؤال آخر: هل فكّرتِ في محاولة الانتحار؟ وكأنها تقدم لها وصفة طبية بان تقدم على ذلك!؟ اجابت اختي: لا... الله لا يقوله... اثناء ذلك وصلت الدكتورة الاستشارية وتسلمت الملف. قلت لها يا دكتورة حالتها جدا سيئة ولدي احساس بان كثرة الادوية ربما يكون لها تأثير عكسي، فماذا سيحدث لو اوقفتهم الادوية وادخلتموها في الجناح تحت المراقبة مع اعطائها ما يساعدها على النوم فقط؟ أجابتني: لا يمكن ايقاف الادوية لان حالتها قد تسوء أكثر، قد نعمل لها جلسة كهرباء ونرى النتيجة وكدت أقفز من مكاني حين تذكرت في تلك اللحظة فيلما قديما للمثل الأميركي جاك نكلسون عن قصة بعنوان «One Flew Over The Concoslnest» تدور حوادثها في مستشفى للعلاج النفسي يدخل فيه المرضى وتسوء حالاتهم وعند محاولتهم الهروب من المستشفى يعاقبون بجلسات الكهرباء التي تؤدي الى فقدان ما تبقى من عقولهم. ذلك لا يعني ان الوضع لدينا في هذا المستشفى مشابه لقصة الفيلم ولكن تخوفت بعض الشيء وطلبت من الدكتورة الانتظار بعض الوقت والاستمرار في العلاج الحالي ووافقت مشكورة. وصفت لنا دواءً جديداً قائلة آنا جربت معها كل الادوية وهذا اغلى دواء لدينا في المستشفى. خرجنا ولم يؤخذ لاختي قياس ضغط الدم أو الحرارة أو قياس نبضات القلب. كنت اتوقع ان تطلب مني الدكتورة تركها لوحدها مع مريضتها وكما هو معمول به في عيادات الطب النفسي في دول كثيرة، ان يستلقي المريض على اريكة مريحة خاصة بالعلاج النفسي ويترك العنان له ليفضي بكل ما يشعر على مدى من الوقت يصل الى ساعة وأكثر.

لا تسمح الموارد والموازنة المخصصة لمستشفياتنا الحكومية بان يقضي الطبيب مع المريض اكثر من دقائق معدودة كما يجري الآن إلا انه بالنسبة لمرضى الأمراض النفسية فإن الوضع يجب أن يختلف لان العامل الاساسي للعلاج في هذا التخصص هو اعطاء المريض وقتاً اكثر ليفتح صدره وقلبه وأمور حياته ومعاناته بجميع جوانبها ليتمكن الطبيب من التعرف على أمورٍ تسهل مهمته لتقديم العلاج المناسب. بطبيعة الحال لن نتمكن من الحصول على ساعة من وقت الطبيب ولكن نصف ساعة أو عشرين دقيقة بدلا من 5 دقائق ووصفة طبية فهذا امر مطروح للادارة العليا بوزارة الصحة. لاحظت أيضاً عدم وجود مكتب لاخصائي اجتماعي بالمستشفى وهي من الوظائف الضرورية المساعدة والمكملة بمستشفيات الطب النفسي.

إن الحكومة تؤكّد حرصها على توفير سبل العيش الكريم للمواطن، لكنها تخفق في تحقيق أدنى متطلبات المعيشة نتيجة لتدني الاداء في بعض وزاراتها.وكان الله في عون المواطن المسكين

العدد 1337 - الخميس 04 مايو 2006م الموافق 05 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:28 ص

      اسباب التسيب

      الله يشفي اختك وجميع المرضى انشاء اللة اخوي اشكرك على الموضوع وانشاء الله احد من المسؤولين يقراء لانه اكثر المرضى النفسيين يعانون من نفس المشكلة مع اقلب الأطباء , اهمال اقلب الاطباء والموظفين في المستشفى لعدم انجاز اعمالهم للمرضى بسبب عدم متابعة الاطباء والموظفين من قبل المسؤولين وعدم الاتخاذ الاجراء ضدهم و بخصوص الباحثات نفس المشكلة !!!

    • زائر 2 زائر 1 | 10:26 ص

      الطب النفسي في البحرين

      العلاج في الطب النفسي في البحرين هو بوجهة نظري قتل بطيئ للانسان فالمريض عندما يذهب الى هناك يظن انة سيخرج مرتاح البال وان مرضة سيزول ولا يعلم ان يمشي وراء سراب ، الادوية النفسية مضارها اكثر من نفعها فكان الله في العون

اقرأ ايضاً