تعليقا على ما كتبه حسين البحارنة «الوسط»، بتاريخ 18 فبراير/ شباط الماضي، ولولوة العوضي «الوسط»، بتاريخ 14 و15 الشهر الجاري، بشأن عدد من القضايا نركز هنا على سلطات مجلس النواب التشريعية والرقابية.
إن لمجلس النواب، بصفته السيادية ممثل الشعب مصدر السلطات جميعا في مملكة دستورية، أن يلغي قانونا ما أو يعدله. وله حق سن القوانين ولكن ليس له أن يحد نفسه بقانون مهما تكن الجهة التي سنته. وندعو، كمخرج، إلى نشوء تقاليد دستورية معينة تمكن المجلس الوطني من ممارسة صلاحياته كاملة في ظل الدستور الجديد من غير تغيير الدستور. فبهكذا آليات يكمن رسم الطريق وتغيير نسب وصلاحيات غرفتي المجلس الوطني في العملية التشريعية. وذلك حاصل إن ليس عاجلا فآجلا، فهذه سنة الديمقراطيات الحية. وممثلو الشعب في الغرفتين لا سلطان عليهم لغير ضميرهم وقسم المادة .78 وحدد الميثاق الوطني دور المجلس المعين في إعانة المجلس المنتخب بآراء أعضائه المبنية على العلم والتجربة. فمعاون الرئيس لا يشاركه صلاحياته، تماماً مثلما لا تلتزم المحكمة برأي الخبير ولا تتخلى له عن سلطتها.
وممكن سحب صوت المجلس المعين في التشريع فيكون دوره مقتصرا على النص في الميثاق الوطني. مثلما هو ممكن إعطاؤه صوتا وصلاحيات تشريعية تساوي أو تزيد على المجلس المنتخب. وبين هذين الحدين يمكن التعاقد والتواضع على تعويض الحكومة عن الصلاحيات التي كانت تتمتع بها في المجلس الوطني القديم من خلال الوزراء بحكم مناصبهم. على ألا يكون للوزراء صوت فيما يخص الضرائب المفروضة على الشعب.
ولعل من المضر بالمصلحة الوطنية أن يتراخى نشوء تقاليد دستورية على غرار ما هو موجود في بريطانيا مثلا في أمور مثل التشريع وتعيين رئيس الوزراء أو غير ذلك. ولابد ولا غنى عن هكذا آليات لتحقيق المرونة الدستورية. فآليات التفسير المعتمدة قضائيا في المحاكم للقانون والدستور ليست مجدية بالضرورة في مجال اللعبة السياسية في البرلمان وخارجه.
القسم موحد. ذلك الذي يؤديه أعضاء غرفتي المجلس الوطني. كما أن المادة 89 من الدستور تقضي بأن لا سلطان على العضو في أي من المجلسين لأية جهة في عمله التشريعي أو الرقابي فهو يمثل الشعب. وفي هذا ضمان لعدم تعارض أو اضطراب المصالح بين أعضاء المجلسين فالسلطان في كلا المجلسين يكون مطلقا لضمير العضو وفهمه لمعاني القسم. ولعل من السذاجة أن يسترضي عضو الحكومة بهدف إعادة انتخابه أو تعيينه. وبيد المجلس بغرفتيه أن يحرِّم إعادة تعيين أو تمديد عضوية مجلس الشورى لفترات متتالية (حاليا إعادة التعيين جائزة بحكم المادة 54 من الدستور).
وعموما، ليس صحيحاً الافتراض من أول وهلة بأن عضو الشورى نزّاع بحكم ولائه إلى رأي الفرع التنفيذي؛ لأن الطرف الذي يعين عضو الشورى هو الملك نفسه وليس الفرع التنفيذي من الحكومة. وفقا للضوابط الدستورية والقانونية المقررة، والتي بيد السلطة التشريعية أن تغيرها إضافة وحذفا وتعديلا من غير معوقات دستورية حتى بحسب الدستور الحالي. وحتى المادة 92 من الدستور التي زعم البحارنة أنها عرقلت أداء المجلس الوطني لدوره التشريعي يمكن تغييرها من تحت قبة البرلمان. وعندما يتم تعديلها يتعين تسييدها كجزء من حماية الدستور وتفعيل القانون من قبل رأس الدولة وممثلها الاسمى وبراً بقسم العرش. وعلى الوزراء التكليف نفسه براً بقسم التولية.
ومستهجن وغريب يدمغ فاعله بالغباء السياسي رفع السلطة التشريعية ذات السيادة الشكوى أو الدعوى الدستورية بشأن التشريع (الذي هو لب وجوهر اختصاصها ومسئوليتها) إلى جهة غير ذات سيادة (وليس لها شأن في التشريع أو مسئوليته) وسواء أكانت الجهة المرفوع إليها محكمة دستورية قائمة أم مستحدثة. وعليه فإن فرص نجاح توجه المعارضة إلى تغيير بعض النصوص الدستورية أحسن مما قال به كل من الكاتبين الكريمين. ففي كل ما قاله البحارنة بدا وكأنه اضطلع بمهمة مختارة أو مسندة هي تثبيط عزيمة المعارضة بكتابات معناها: «اليأس من ورائكم واليأس أمامكم؛ فلا سبيل للنجاح عن طريق الآلية البرلمانية الحالية أو المتصورة من داخل قبة البرلمان».
أما العوضي، فبدت لنا وكأنها أساءت فهم مقال البحارنة الذي كان في غاية الوضوح والدربة ولا يستعصي فهمه حتى على من هم أقل من العوضي قدرة على القراءة القانونية الصحيحة. ولذلك جاءت كتابتها غير موفقة في الرد على البحارنة، ولكنها اتفقت معه في تثبيط عزيمة المعارضة.
رأينا عن المقالين
هل من الجائز أيضا أن يكون كل من البحارنة والعوضي لاعبا لدور الملفق الصحافي (doctor spin) التابع للجهة المستفيدة نفسها من تثبيط عزيمة المعارضة؟ وعندما نختلف معهما مع تأكيد الاحترام المعمق لكل منهما ندفع بأن هناك «التي هي أحسن». وهي أحسن وأقرب إلى تحقيق أهداف المعارضة متى ما قوربت تلك الأهداف من تحت قبة البرلمان. وبطول النفس. فإن «الصبر على هاتا أحجى». ولذلك ندعو المقاطعين إلى قطع المقاطعة وإلى تخصيب البرلمان بعناصرهم وخصوصاً العناصر ذات الإرث الحواري المؤثّر والنزعة العلمية والعمل الوطني المدروس (وذلك من خلال الترشيح في الانتخابات النيابية المقبلة).
ونوضح ما رأينا فنقول إن ما أشار إليه الكاتبان الكريمان من طرق رفع الدعوى مردود على أنه طرح غير موفق وغير لائق للأسباب المبينة ابتداء في هذا المقال. وأهمها أن المجلس الوطني سيد، يختص بالتشريع وعلى المحاكم أن تطبق ما يشرعه المجلس. فالمحاكم، بما في ذلك المحكمة الدستورية تقبل وتنظر الدعاوى المرفوعة من المواطنين على المواطنين. وفيما يخص (تحديداً ولأغراض هذا المقال فقط) رفع المنازعة الخاصة بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح بطلب من رئيس مجلس النواب بحسب ما هو وارد في المادة رقم 106 من الدستور نقول إن هذه المادة أعطت حقا للمجلس ولم تفرض عليه اللجوء إلى المحكمة فيما يخص التشريع. كما نؤكد بأن ليس في الدستور ما يحرم على المجلس التشريعي أو يحرمه من حقه في استبدال أي نص في الدستور أو القانون عدا ما استثني بعقد الدستور في الفقرة (جيم) من المادة 120 منه، التي فرضت الإبقاء على نظام المجلسين فقط، ولكن لم تحرم إعادة توزيع الصلاحيات بينهما وفقا للتصور المتقدم. كما يبدو أن التعديل الذي أدخل على الفقرة الثانية من المادة 106 من دستور 2002 كان نتيجة تسرع في الصياغة لم تتوقف عنده كثيرا لجنة تعديل الدستور فقد كان هذا الحق مقصورا على الحكومة وذوي الشأن في دستور ،1973 المادة رقم 103 منه.
وعمَّا إذا كانت اللائحة الحالية تعوق من حرية العضو، قارنا المواد المتعلقة بنظام الجلسات في اللائحة الداخلية لمجلس النواب الحالي بمقابلها من مواد اللائحة الداخلية للمجلس الوطني القديم. فلم نلمس اختلافا جوهريا بين اللائحتين في هذه التفصيلة. وعليه يمكن القول إن الحرية قد عوقت - إن صح - وإن مصدر ذلك بالتأكيد لا يكون اللائحة الداخلية. وهناك من يرى قصوراً بيّناً في الكفاءات. وخارج نص اللائحة فإن النهج القيادي أثناء رئاسة الجلسات محكوم بضوابط لا تختلف جوهريا عن الضوابط التي وضعها بنفسه ولنفسه المجلس الوطني القديم.
ولو اتفقنا مع البحارنة في النعي على المادة 92 من الدستور، فإننا لا نرى بأسا من التنظيم الجديد لآلية صوغ مشروعات القوانين بحسب المادة 95 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب. ففي مؤدى النعي على تنظيمها لهذه المسألة (انتقاصها من المبدأ الديمقراطي في استقلال السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية) ما يغري السلطة التنفيذية أن تنعى على المادة 70 من الدستور (المادة رقم 42 من دستور 1973) أنها تحد من استقلاليتها. والحق أن هذا المادة ،70 من الدستور تتضمن الضمانات كافة لاستقلال كل من السلطات الثلاث. ولا يخل صوغ القوانين في مكان واحد موحد من استقلالية السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية. كما أن هناك فوائد كثيرة تترتب على توحيد المكان والكادر المنوط به دور صوغ النصوص القانونية. يشهد بهذه الفوائد في مؤلفاتهم أكبر أساتذة القانون في أعرق ديمقراطيات العالم وأوسعها.
كما أن هناك مآخذ فنية خطيرة وكثيرة على المادة 80 من اللائحة الداخلية للمجلس الوطني القديم المقابلة للمادة 95 من اللائحة الداخلية، ليس أقلها إثقالها لكاهل العضو بمطالبته بأن يكون اقتراحه «مصوغا قدر المستطاع»، على رغم بساطة شروط الأهلية لعضوية مجلس النواب. وحتى في بلدان أكبر وأكثر تأثيراً في شئون العالم، يوجد بين أعضاء المجلس التشريعي من بالكاد يعرف القراءة والكتابة كما أن الصياغة القانونية هي إحدى أكثر الوظائف والمهن المعاصرة صعوبة، خصوصا كلما تعقد واتسع الجسم القانوني لأي بلد. ومن قال: إن فني الصياغة لا تطاله أو أنه معصوم من إغراء الحكومة إن كان تابعا للسلطة التشريعية. فهو يظل موظفا عاما قابلا للفصل ويخشاه من طرف السلطة التنفيذية. ثم من قال: إن الحكومة لم تطلب ولم تغر حتى بعض نوابنا العتيدين في قليل أو في كثير؟ ومن قال إن ذلك متعذر الحصول مطلقا!
هل يتمتع البرلمان بالرقابة؟
والسؤال: هل فعلا يتمتع مجلس النواب بجميع أدوات الرقابة؟ وهل صحيح أن دوره التشريعي بات ثانويا لاكتمال البنيان القانوني في البحرين؟
ذلك ما قالته العوضي، ولسنا بحاجة إلى كثير من الكلام لتفنيد القولين، وذلك لكثرة الشواهد على خطئهما. ويكتفى التذكير بأمرين يتعلقان بالموازنة والضرائب. فالفقرة (هاء) من المادة 109 من الدستور تجب جميع الضمانات والسلطات التشريعية والرقابية التي بيد المجلس الوطني في حال مثل التي نوصفها هنا. فلو أن قانونا ما سن ضريبة لفترة معينة انتهت بانتهاء السنة المالية الماضية. ثم لم يصدر قانون الموازنة حتى نهاية السنة الجديدة، معوقا برفض النواب تجديد تلك الضريبة من ناحية ومطالبتهم بتخفيض الإنفاق الحكومي في الموازنة الجديدة. وما لم تقم إرادة ملكية بحل مجلس النواب أو إعفاء رئيس الوزراء وتعيين وزارة جديدة، فيكون للحكومة ليس فقط مستويات الإيرادات والإنفاق المعمول بها في السنة الماضية، بل ويكون لها أيضا - وعملا بمبدأ تغليب نص الفقرة الدستورية - أن تجبي الضريبة التي لا يوافق المجلس الوطني على تجديد التصريح بجبايتها. وهنا يجب التنويه إلى ضرورة تجريد المجلس المعين من جميع صلاحياته الحالية في أن يفرض وأن يلغي وأن يعدل الضرائب على الشعب، تأكيدا لأركان الديمقراطية وأصول الممالك الدستورية.
وإذ إن استجواب الوزراء عماد سلطة النواب الرقابية. نقيم أولا صدور اللائحتين الداخليتين للمجلسين ما جنبهما تجربة مماثلة لتجربة المجلس الوطني القديم الذي قيل إنه استغرقه وضع لائحته «معظم دور انعقاده الأول». ونؤيد كل ما كتبه البحارنة في الاستجواب إلا شيئين. أولهما اعتراضه على شرط ألا يكون متعلقا بأمور لا تدخل في اختصاص الوزير. ذلك لأن وجود أو عدم وجود هذا الشرط لا يغير شيئا لدى الممارسة الحقيقية. أما من حيث قطع الشك، وللأسباب المتقدمة، فلا نتفق معه في اقتراحاته الثلاثة القاضية برفع الدعوى من السيد أمام غير السيد أو سلوك الطرق الاحتجاجية التي لم يحددها لكي يعود الاتساق بين أحكام المادة 145 من اللائحة الداخلية والمادة 65 من الدستور. أو لغير ذلك لتحقيق المرامي المعلنة للمعارضة.
ولابد أن نكرر، المجلس الوطني سيد ولجوؤه إلى المحاكم من أبشع صور انتقاص سيادته
العدد 1337 - الخميس 04 مايو 2006م الموافق 05 ربيع الثاني 1427هـ