أكدت عقود عدة من جهود تطوير برامج التعليم في الدول العربية عجز هذه الجهود التطويرية عن مواكبة الاحتياجات التنموية في هذه الدول. وساهم ذلك في بروز الكثير من الظواهر السلبية ومن بين هذه الظواهر ارتفاع معدلات الاخفاق في مواصلة التحصيل الدراسي، إذ سجلت هذه المعدلات ارقاما قياسية في بعض دول المنطقة، بالاضافة إلى الزيادة المطردة في اعداد العاطلين خصوصا في أوساط المتعلمين وذوي التعليم العالي بالتحديد. وكذلك الحال في بعض دول المنطقة والانخفاض التدريجي في الاجور الحقيقية الذي ادى إلى انخفاض العائد المتوقع من التعليم، ما جعل الاستثمار في التعليم أقل جاذبية في وقت تبدو فيه بجلاء حاجة اقتصادات دول المنطقة إلى مهارات أكبر مما يتوافر لديها حاليا، يقابل ذلك الارتفاع التصاعدي لكلفة التعليم خصوصا في المراحل الدراسية العليا.
ومن أجل تجاوز هذه المعضلة، والتوجه نحو تنمية بشرية حقيقية لابد من تغيير نظام التعليم لبناء اقتصاد متكيف مع المتغيرات الدولية وذلك على رغم صعوبة عملية تغير نظم التعليم وارتفاع كلفتها اقتصاديا واجتماعيا، بسبب ما يتميز به هذا القطاع من التعقيد والتداخلات المهنية.
بيد ان الموضوع لا يقف عند برامج وانظمة التعليم وحدها فوفق التوجهات الحالية لدول المجلس وبقية الدول العربية والتي تطمح لأن يلعب القطاع الخاص دورا رئيسيا في تنفيذ برامج التنمية والانشطة الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، فإن معظم الوظائف التي ستتوفر خلال هذا العقد والعقد المقبل ستكون في القطاع الخاص، وليس القطاع العام. كما أن معظم تلك الوظائف سيكون في حقل المهن الفنية وليس الاعمال المكتبية وذلك لأن التركيز يجري حاليا على تطوير دور القطاعات الانتاجية والصناعية والاعمال المرتبطة بالمهارات الفنية والتكنولوجية. يضاف إلى ذلك ان ظروف العمل خلال السنوات المقبلة ستكون اكثر تشددا سواء من حيث الامتيازات الوظيفية المتوافرة أو معدلات الانتاجية المطلوب الايفاء بها. كما ان الحكومات ستتخلى عن دورها كملاذ أخير لمن أغلقت بوجهه أبواب العمل.
واخيرا فإن التدريب، وجميع ما يتصل به من مؤسسات وبرامج ومفاهيم يبقى ركنا اساسيا وثابتا في جميع التجارب الناجمة في مجال تنمية الموارد البشرية، وخصوصا التجارب التي نشاهدها في عدد من بلدان جنوب آسيا أو ما يطلق عليها بالنمور الآسيوية. ففي هذه الدول يبرز بصورة واضحة التركيز على ربط التعليم بالتدريب والتطور التكنولوجي من جهة، ووجود البرامج التدريبية المكثفة الملحقة بانتهاء مراحل الدراسة المدرسية او الاكاديمية الجامعية من جهة أخرى إذ يتم خلال هذه البرامج وضع الطلبة المتخرجين حديثا في بيئة العمل الحقيقية، وتتم ممازجة المفاهيم والنظريات التي تعلموها مع الاحتياجات المحلية.
ان هذه الجهود لابد ان تلقى صدى ايجابيا واسعا لدى القطاع الخاص، وتدفعه للمساهمة الايجابية والفاعلة في انجاحها لانه سيكون المستفيد الأول من فتح الأبواب أمام العمالة الوطنية لتأخذ مكانها الطبيعي في التنمية. ان التنمية البشرية ستبقى تمثل المعضلة الرئيسية أمام التنمية في الدول العربية، ولابد من مجابهتها مجابهة جادة وعلمية تحقق استجابة للتحولات العالمية من جهة وتستجيب لمتطلبات تسريع عجلة التنمية في هذه الدول من جهة أخرى
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1335 - الثلثاء 02 مايو 2006م الموافق 03 ربيع الثاني 1427هـ