لا ندري كم إداري من مؤسساتنا التطوعية حرص على المشاركة والاستفادة من مؤتمر «إشكالات العمل الإسلامي» الذي نظمته جمعية «التوعية» أخيراً، وكم من الإدارات تشعر بأنها قاصرة أو مقصرة في فهم أسس الإدارة الناجحة، وتعتزم التغيير. لكن ما بتنا نتيقنه هو أن عدداً ليس بقليل من إداريي تلك المؤسسات مازال يشعر بقدرته الخارقة (العفوية) على إدارة المؤسسة التي يعمل فيها، وان لم يكن يملك أي رصيد معرفي في فنون الإدارة، فحسبه قصد الخير... ألا يكفي؟!
لم يعد يشك أحد في أن أسباب العزلة التي مر ويمر بها العمل التطوعي يتحمل أوزارها أولاً؛ الإرباك الإداري وضياع الاستراتيجيات المدروسة على أساس معلوماتي. والمعنية بالحديث هنا ليست مؤسسات هامشية لا ثقل لها، وانما المقصودة هي مؤسسات ذات حضور فاعل يعول عليه المجتمع كثيراً كمراكز التعليم الديني والجمعيات الأهلية والصناديق الخيرية والمآتم الحسينية والمراكز الثقافية والأندية الرياضية وغيرها. فكم من مآزق تعاني منها هذه المؤسسات؟ نقص الطاقات وصدود المجتمع وغياب التخطيط وضعف الموارد فضلاً عن التصادمات بين بعضها بعضاً جراء فرض الذات وضياع التنسيق الذي يستصغره بعض الإداريين ويعتبره عبئاً لا ضرورة له. كل هذه المشكلات وغيرها، ألا تحتاج إلى عقلية منفتحة على تجارب الآخرين؟ ألا تحتاج إلى الاعتراف بالنقص والبحث عن أفكار بديلة عن «التعنت» الإداري؟
مجتمعنا العصري ما عاد كالسابق، فهو يعج بالمؤتمرات والورش والدورات التدريبية المهتمة بصقل القادة والإداريين من أجل عمل تطوعي ناجح، فهل فكرنا في ابتعاث إداريينا إلى مثل هذه الفعاليات؟ وهل اجتهدنا في تنظيم أنشطة شبيهة نستفيد فيها من الكوادر الكبيرة من المدربين والاختصاصيين في هذا الشأن؟
ربما استفز عنوان المقال كثيرين، ولكن ثمة قاعدة مهمة لابد أن يدركها كل متطوع، ففي الوقت الذي نشد فيه بقوة على يد كل من ضحى بوقته وماله وراحة عياله من أجل خدمة المجتمع مقابل صدود الآخرين، فإن العمل يقتضي إتقاناً وتدبيراً، من باب «من عمل منكم عملاً فليتقنه». وإلا لو تمسك كل فرد بكرسيه الإداري سنوات عدة - على رغم عدم تفرغه أو عدم قدرته على تدبير الأمور - ظناً منه بأن عجلة العمل من دونه ستتوقف إلى الأبد، لبقيت مؤسساتنا التطوعية (والحال هذا) تجربة مصغرة لحكام الأنظمة الدكتاتورية على مر التاريخ، وبالتالي لا تغيير يرتجى ولا هم يفرحون.
العجز الإداري ليس عيباً، وإنما العيب في التغاضي عن هذا العجز والإصرار على «التكتيك» الفوقي والمرتجل. هذا ما جعل الناس تصد عن الخوض في العمل التطوعي. وطبيعي أن المشروع الناجح مضمون الربح الدنيوي والأخروي، تتهافت عليه الناس. إذاً لا تستقيلوا، ولكن...
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ