أتاحت لي وزارة التربية والتعليم، في مجال دأبها على الاهتمام بالكوادر البشرية ورفع كفاءتها، ومواكبة المتغيرات التربوية، التي تشكل بؤرة من بؤر اهتمام القيادات العليا في الوزارة وتوليها التفاتة خاصة، أن أكون حاضرا ومشاركا في فعاليات ورشة عمل نظمتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الأسيسكو) في الكويت بالتعاون مع اللجنة الوطنية الكويتية للتربية والعلوم والثقافة تحت عنوان «ورشة عمل شبه إقليمية حول حقوق الإنسان والمواطنة في المناهج التعليمية في دول الخليج»، وكان من أهداف هذه الورشة تعزيز إدماج مفاهيم حقوق الإنسان والمواطنة في المفاهيم التعليمية بشقيه النظامي وغير النظامي، وتوعية مختلف شرائح المجتمع بمفاهيم حقوق الإنسان وتبادل خبراتها. ومن المسائل التي كانت محل إجماع في هذه الورشة، وجاءت في نهاية أعمالها من ضمن التوصيات هي تعليم حقوق الإنسان وبالطريقة التي تراها كل دولة مناسبة. وكان باعثا على السعادة الاتفاق على أهمية تعليم حقوق الإنسان والمواطنة من حيث أنه يستجيب لروحية إسلامنا الحنيف وما يدعو إليه من عدل وتراحم ومساواة، كما انه يأتي من واقع يلبي احتياجات وطنية، ولا يقع تحت تأثير الضغط الخارجي، متجاوزين بذلك وجهة النظر السياسية التي تفضي إلى استدامة الاستبداد واللامساواة. ومن خلال عرض وفود الدول لتجاربها تبين أن الدول، جميعها، تدرس حقوق الإنسان إلا أنها في شكل ضمني، أي بصورة مندمجة مع مواد دراسية أخرى وأهمها المواد الاجتماعية والتربية الإسلامية واللغات والعلوم. وكان واضحا أن هذه الورشة تأتي في السياق العام لتوجه مجتمعاتنا الخليجية، واتساع خطى حكوماتها باتجاه العناية بحقوق الإنسان والمواطنة وجعلهما مادتين دراسيتين، باعتبار أن حماية حقوق الإنسان و تطبيق المواطنة تصونان المجتمعات من الاهتزاز السياسي والتوعك الاجتماعي اللذين يقودان إلى موت سريري يعلق مشروعات الحكومات التنموية، ويشل الفعل المجتمعي ببعثرة جهود مؤسساته الأهلية.
وكان لافتا في هذه الورشة أنها كانت تحمل شيئا من عبق حوارات، استقدمت من طين مجتمعات شقيقة، كانت قد جرت في أروقة وزارة التربية والتعليم بالبحرين وعلى هامش الفعاليات التربوية التي أقامتها عندما كانت التربية للمواطنة وحقوق الإنسان فكرة جنينية تسربت من ثنايا المشروع الإصلاحي لجلالة الملك لتغدو صخبا مجتمعيا وجد طريقه على سكة إدارة المناهج بوزارة التربية منهجا دراسيا يعول عليه في صوغ الشخصية البحرينية الجديدة الواعدة، المتسقة مع معطيات الحاضر والمتوافقة مع ما يزج به المستقبل، ضمن التفاعلات الكونية، من تغييرات سياسية واقتصادية وتأثيرهما على النسق الاجتماعي. فحديث من مثل؛ كيف سيتم تناول قضايا حقوق الإنسان والمواطنة، وهل ستكون مادة مستقلة أم هي مندمجة ضمن مواد أخرى قد أشبع تناولا على مستوى المختصين في الوزارة والمهتمين من مؤسسات المجتمع المدني، وخلصنا من تلك النقاشات بأنه ليس تقليلا من شأن مفهوم حقوق الإنسان في جعله محورا أساسيا في مادة التربية الوطنية، وذلك لتواشج المفهومين واتصالهما، ولا أقول تطابقهما، على غرار ما هو معمول به في برامج التربية للمواطنة أو المدنية في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي. إذ إن جعل لكل مفهوم إنساني مستجد مادة دراسية مستقلة بذاتها سيكون على حساب المواد العلمية الأخرى لا طاقة للمجتمع به لكونه يحمل مخاطر الانحراف عن الخريطة التربوية المتعارف عليها والمعتمدة في دول العالم، أي التي تحافظ على التوازن بين حجم الدراسات العلمية وحجم الدراسات الانسانية على مدى سنوات التمدرس، فضلا عن أن اليوم المدرسي لا يحتمل إضافة مواد دراسية مع مطلع كل مفهوم جديد.
بقي أن نشير إلى أن البحرين في ضوء ما ظهرت به الورشة من قرارات وتوصيات تخطو بثبات نحو ترسيخ قيم المواطنة وحقوق الإنسان، نتمنى ألا يثنيها عن ذلك ما تتعرض له هذه الخطى الحثيثة من مزاعم هنا وهناك بتعاكس متجهات حقوق الإنسان والمواطنة مع قيم المجتمع التي ثبت عليها، ولا أن تنحرف به ممارسات أنانية أيا كان مصدرها شعبياً أم نخبوياً، حكومياً أم طائفياً، وبالتالي فإنها مدعوة من خلال وزارة التربية والتعليم إلى الاستمرار في تطوير مناهج التعليم بما يحقق تضمينها مفاهيم حقوق الإنسان وترجمتها إلى سلوك وتطبيقات داخل المجتمع وخارجه، و توفير الفرصة الكافية لممارسة بعض الأنشطة المتعلقة بالحياة الفعلية من خلال ربط المدرسة بالمجتمع المحلي وتعزيز الأنشطة المنفذة خارج المناهج الدراسية، وتوفير معايير بيئة مدرسية تراعي حقوق الإنسان والعمل على تطبيقها، ومن خلال وزارة الإعلام، العمل على تفعيل وسائلها ومؤسسات المجتمع المدني بما يحقق التثقيف بحقوق الإنسان بالتوافق مع ما تتضمنه المناهج التعليمية من مبادئ ومفاهيم وقيم حقوق الإنسان، لكي يتعاضد الفعلان بما يرسخ القيم الإنسانية الكبرى
العدد 1324 - الجمعة 21 أبريل 2006م الموافق 22 ربيع الاول 1427هـ