حين سألت الفتاتين الجالستين إلى جانبي في الطائرة المتجهة إلى اسطنبول عن بلديهما، كنت محتاجاً إلى أن تعيدا كلمة «إسرائيل» ثلاث مرات، بعدها، أحسست - رغماً عني - أني بصدد الدخول في إحدى الحوارات السياسية والثقافية المعقدة، أنا بالتحديد «هارب» منها!
تقولان نحن اليوم نبكي ياسر عرفات، إلا أننا لا نبدي ذلك الخوف المبالغ فيه من وصول «حماس» للسلطة كما يصور إعلامكم! وعلى العكس من ذلك، بدأنا منذ تولي «حماس» السلطة مشاهدة قياداتهم السياسية مشغولة بالتحدث عن العمليات الاستشهادية، بل خففوا من اعتمار الكوفية، واتجهوا نحو اللباس الإفرنجي، من منا كان يصدق أن يأتي يوم نرى فيه هنية يلبس زياً غربياً وبالـ «كرفتة»!
تضيفان: «حماس تفكر اليوم في جمع المال ورواتب الموظفين، وهذا عمل دولة، لا عمل مجموعة إرهابية». وترى الفتاتان أن الأيام المقبلة مخيفة، وأن الإسرائيليين يخافون من الإيراني أحمدي نجاد فعلاً، تقول إحداهما: «أنتم لا تدركون ذلك الخوف الذي يحيط بالإسرائيليين مع كل تصريح لأحمدي نجاد، ونحن نخاف أن يكون وزيرنا موفاز ذو الأصول الإيرانية ذا رغبات انتقامية، فيجرنا إلى حرب شخصية لا نريدها البتة»، وتقول: «إنها تحس بالسعادة لمرض شارون، إذ إن شارون وأحمدي نجاد شخصيتان متهورتان، وقد يجران المنطقة لحرب طويلة ندفع ثمنها جميعاً»!
تقول الاختصاصية الاجتماعية التي كانت في زيارة لتونس لمدة أسبوعين «تخلت إسرائيل عن أحلامها التاريخية، وهي اليوم ترضى بدولة تستطيع أن ينام أهلها من دون خوف»، قلت لها مبتسماً: «أنت تدركين تمام الإدراك أن ما يعيشه السجان من خوف، هو أكثر مما يشعر به المسجون!»
وتضيف: «كلنا نملك حق الحلم، السوريون يحلمون بسورية الكبرى فقاموا بالوصاية على لبنان، والعراقيون حلموا بالعراق الكبير فاحتلوا الكويت، والجميع يدرك أن أحلامه تقتضي السيطرة على الآخر، اليوم نحن ندرك أن الأمن والسلام هو أثمن من الأحلام، وهكذا... انتهت الأسطورة!».
أما أختها، فقد أبدت امتعاضها من العمالة الآسيوية التي حلت محل الفلسطينيين داخل «إسرائيل» بعد الانتفاضة، وتستطرد قائلة إنهم «غرباء، والتعارك بيننا وبين الفلسطينيين استطاع أن يخلق نوعاً من الألفة على رغم أنها حرب»!. وتقول المهندسة المعمارية «أنا شخصياً كنت أحس بالأمان حين كنت أعمل مع الفلسطينيين، أما اليوم وأنا محاطة بالعمالة الشرق آسيوية فالخوف يقتلني».
أخيراً، قامتا بدعوتي إلى زيارة «إسرائيل»! فرفضت مبتسماً معللاً ذلك بأنني «لا أستطيع دعوتكما إلى زيارة البحرين»، وقد تعاقبني بلادي إن تجرأت على زيارتكم، فالكثيرون منا، لايزالون في متاهات الحلم بـ «الوطن العربي الكبير»، وهم ينتظرون الجرذ صدام حسين أن يخرج من سجنه ليحقق الأسطورة
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1324 - الجمعة 21 أبريل 2006م الموافق 22 ربيع الاول 1427هـ