لقد برز على السطح في الآونة الأخيرة وبشكل ملفت عدد من المقالات الصحافية والأحاديث الجانبية المستاءة من الإجراءات والأوامر الفوقية من قبل بعض مديري المدارس، وبرزت الاحتجاجات وعدم الرضا من الوضع المهني. وهذا يعني أن هناك خللا في عدد من المدارس يؤثر في المقام الأول على المعلم والطالب. فالاستقرار النفسي والوظيفي هو الركيزة الأساسية في العملية التعليمية، والخلافات الإدارية مع الهيئة التعليمية تعني وجود شرخ عميق تنعكس نتائجه على الأهداف التربوية والتعليمية معاً.
وللأسف يوجد مديرون يجهلون فن التعامل الإداري مع المدرسين، فنرى القرارات والأوامر والطلبات الإدارية التي تقيد حرية المعلم وتستخف بحقه في العملية التربوية والتعليمية، عن طريق مجموعة من الطلبات الإدارية الاجتهادية من أجل البروز لدى المسئولين بحجة الانضباط الوظيفي ومتابعة العمل والتطوير. وهناك عدد من الأمثلة الواقعية التي تعجز المقالات عن حصرها، تبرز تلك الظواهر غير الصحية في مجتمع مدرسي، ينبغي أن يؤسس لإدارة تعنى بفن الحوار البناء والهادف الذي يصل بمركب العملية التعليمية إلى أفضل النتائج.
أحد المديرين منذ مجيئه لإحدى المدارس المتميزة بسمعتها لدى الوزارة من خلال الجو الأسري فيها والنتائج التحصيلية للطلبة، وباعتراف المدير في أول اجتماع له بالمدرسين بالقول إن الوزارة لم تهنئه على الترقية لمدير مدرسة بالوكالة، بل هنأته على المدرسة التي رشح لها، فقال له المسئولون في الوزارة إننا نبارك لك على تلك المدرسة قبل التهنئة على الترقية. وسعد المدرسون بهذه الشهادة التي هي وسام فخر لهم. ولكن ما هي إلا أيام معدودة وإذا بقائمة من المدرسين تطلب النقل من المدرسة هرباً من أنياب المعاملة والإجراءات التي تشم منها رائحة التخوين والتشكيك وعدم الثقة بعمل المدرسين، من خلال وضع آليات تقيد عطاءهم وتصفهم بغير الفاعلين في المدرسة. ولولا تدخل أحد المدرسين الخيرين لتطويق المشكلة لحصلت هجرة جماعية.
وهناك مديرون يتخذون حاشية تتظاهر بالحب والولاء للإدارة، وتقدم إليهم النصح والإرشاد، ومن خلالهم يمكن وضع المجهر لتمحيص من يعمل ويستحق التقدير المعنوي والمادي، ومهما فعل الطرف الذي لا يجيد أصول لعبة التبجيل والتهليل والتقديس، فسيظل من المغضوب عليهم.
كما يتم فرض أوامر وقرارات وطلبات إدارية اجتهادية، تنم عن دكتاتورية، ليست في مصلحة العمل، إذا لم ينفذها المدرس اتخذت إجراءات عقابية متدرجة ضده، بوصفه بعدم التعاون ورفض القرارات والأوامر الإدارية، أو بعدم الكفاءة في العمل، والتصيد عليه بشتى الطرق.
وهناك مدرسون يعانون من تعنت وتسلط المدير، حتى بات بعضهم يحلم بكيفية الخلاص من تلك القيود والأوامر الفوقية التي لا تراعي أصول التربية والتعليم، وجعلت بيئة العمل في بعض المدارس من الصعب تحملها، بسبب الضغوط النفسية والقيود والمشكلات التي تطارده إلى بيته وتؤثر على حياته العائلية، فكيف للمدرس أن يقدم ما هو مطلوب منه؟
بل ان بعض الإدارات تتعامل على أساس أنهم رؤساء مقاولات أو شركات خاصة، وأن المعلمين عمال لديهم، وإن حاول أحدهم إبداء وجهة نظره في تلك القرارات والإجراءات، جابهوه بتهمة إعاقة العمل، ولفت النظر والإجراءات الجزائية المتوالية.
مثل هذه البيئة المدرسية تؤثر على مستوى الأداء والتحصيل في المنظومة التعليمية المتكاملة، لذلك أرى لزاماً على المسئولين وضع آلية منهجية لتقويم عمل الإدارات المدرسية من خلال مشروع متكامل يوضح الأهداف الأساسية للعمل الإداري، ووضع آلية لعملية التقويم من أجل الوصول إلى حل مرض يسهم في خلق البيئة المدرسية الصحية والمستقرة. من ذلك تكوين لجنة يمكن تسميتها «لجنة تقويم العمل الإداري بالمدارس» لا يكون من مهماتها التركيز على المظهر العام للمدارس أو تكامل الملفات الإدارية فقط، وإنما النزول إلى ساحة العمل المباشر، فتلتقي مع الهيئة الإدارية المدرسية بشكل مستمر لمناقشة المشكلات الإدارية التي تعترض عملها في المدرسة، واللقاء المباشر مع الهيئة التعليمية لمعرفة آرائها ووجهات نظرها في الإدارات المدرسية، وأهم المميزات والسلبيات في العمل. إضافة إلى تفعيل دور مجلس الإدارة المدرسية من خلال الانتخابات الحرة، وليس التعيين بحكم الوظيفة كما هو حاصل الآن «نصف معين ونصف منتخب».
كذلك وضع استبانة تقويم العمل الإداري بالمدرسة من خلال استمارة متابعة سرية يكتبها المدرسون كي تعكس مدى الرضا العام لديهم في مختلف الجوانب التعليمية والتنظيمية والإدارية والفنية، وتعميم نقاط الالتقاء على الإدارة المدرسية والمدرسين، ثم توضيح وشرح وجهات نظر الطرفين والبت في نقاط الخلاف وإصدار نشرة يطلع عليها الطرفان. ومن خلال هذا المقترح نأمل أن نؤسس نواة لشفافية العمل المدرسي، وتطوير العمل الإداري لمزيد من التقدم والازدهار في العملية التعليمية التعلمية.
اختصاصي مركز مصادر التعلم
العدد 1323 - الخميس 20 أبريل 2006م الموافق 21 ربيع الاول 1427هـ