لقد ترتب على صدور القرار رقم 12/2004 (4/2/2004) والقرار رقم 83/2006 (29/3/2006) تغيير جوهري في قانون الإسكان وكان ذلك على نحو نزعم بعدم دستوريته من حيث الشكل، فضلا عن أن تلك التغييرات كانت أولى بأن تنظر وتقر في المجلس الوطني - الأمر الذي لم يكن؛ لا أن يتفرد بها الفرع التنفيذي، الأمر الذي كان تحت سمع وبصر المجلس الوطني بغرفتيه من دون أن يحرك أحد من أعضائهما ساكنا أو أن يبدي غضاضة في محلها من صدورهما على النحو الذي كان.
ولسنا بصدد تحليل التغيير الجوهري المذكور الذي أجحف بحقوق فئة من المجتمع على حساب فئة أخرى، ولأسباب نزعم أنها لا تختلف كثيراً عن المرامي والمقاصد من مثيلاتها من مثل تلك القرارات التي آلت إلى تعيين ممثلين من أقليات بعينها في مجلس الشورى، أو إلى تعيين نساء في مناصب وزارية ودبلوماسية وشورية. كل ذلك من غير إقلال من احترامنا لأشخاص المواطنين المحترمين المشار إليهم. ومن باب قطع الشك باليقين نؤكد مرة أخرى أن النعي هو على المنطلقات السياسية ولا يمس الأشخاص الذين نقدرهم ونكن لهم ما يستحقون من الود والاحترام البالغين.
فبموجب هذين القرارين، ومن غير المرور بالسلطة التشريعية تمت مخالفة العرف والقانون والدستور، وتم المساس بالأسرة وحقوق ربها الطبيعي في غفلة من الزمن والرقيب، وفي ظل الاهتداء بقيم غربية على مجتمعنا المسلم المحافظ وتحت ضروب من ذرائع المساواة بين الرجل والمرأة. وإرضاء لغير مقومات ومكونات المجتمع البشرية والنفسية والدينية ومن غير أخذ رأي الشريحة الأكبر ممن هم أهل للحل والعقد فيه.
مخالفة العرف
بخلاف العرف، تم منح حق للمرأة البحرينية العاملة أو التي لها دخل شهري ثابت وتعول ولا تمتلك أي عقار الانتفاع بإحدى الخدمات الإسكانية. وما عليها إلا أن تثبت مستنديا ما يدل على ذلك. ولا يهم بعد ذلك إن هي استغلت الخدمة الإسكانية بخلاف غرض المشرع من إعطائها ذلك الحق. فبإمكان زوجة أو ابنة أو أخت الشخص (س)، العاملة أو التي لها دخل شهري ثابت، أن توفي المتطلبات المستندية المذكورة ثم أن تحصل على خدمة إسكانية (وحدة سكنية مثلا) توظفها في غير مقاصد المشرع وتعديا على حقوق زوجها أو أبيها أو أقاربها. فأين الضمان القانوني؟
كان على كاتب القرار رقم 12/2004 أن يضع في الاعتبار هكذا احتمالات في ضوء تصاعد أرقام حالات الدعارة المضبوطة من قبل النيابة العامة، وما تاريخ صدور هذا القرار ببعيد. وكان عليه أن يزيد من شروط الحصول على المنفعة قبل الحصول عليها ومن صلاحيات سحبها من قبل وزارة الإسكان قبل وبعد الحصول عليها.
مخالفة الدستور
بخلاف المقرر دستورياً، فإن التغييرات التي أحدثها كل من القرارين المذكورين وقانون الإسكان بكامله قبل ذلك، تم اعتبارها كلها ضمن صلاحيات وزير الإسكان المنوطة له بموجب المرسوم بقانون رقم 10/1976 (28/2/1976) - أي لا سلطة ولا معقب للمجلس الوطني بشئون الإسكان على وزير الإسكان. وعلى ما لهذا الرأي علينا من واجب الاحترام، إلا أننا نختلف معه. فمن غير الجائز لأصحاب هذا الرأي أن يستندوا إلى هكذا تفسير، مقصود أو غير مقصود ولكنه في غير محله لنص القانون الحالي الذي ينظم شئون الإسكان. فهذا التفسير، ولأنه يؤدي في نهاية المطاف إلى إبعاد جميع أمور الإسكان ويسحب البساط فيما يخص هذه الأمور من تحت السلطة التشريعية ويضع جميع مقاديرها وتقديرها وجميع أمور الإسكان وقضاءاته في يد السلطة التنفيذية ومن غير معقب عليها من طرف السلطة التشريعية. صحيح أن جماع نصوص الأدوات القانونية المكونة لقانون الإسكان الحالي تسمح للسلطة التنفيذية بالتعسف والتفسير على النحو الحاصل، ذلك أن المرسوم بقانون رقم 10/1976 يسمح بهكذا تفسير متعسف. ولكن التعسف في حد ذاته مكروه إن لم يكن حراما أن تأتيه سلطة ترفع شعار اليموقراطية جهارا نهاراً. ولقد كان الأولى بالسلطة ألا تعول في كثير على هذه الثغرة في الصياغة والشكل الحاليين لقانون الإسكان، وأن تغلب تقدير الحقائق الآتية:
أنه حتى في تلك الفترة والظروف، فقد مرت ستة أشهر من حل المجلس الوطني بالأمر الأميري رقم 4/1975 قبل صدور قانون الإسكان الحالي بكامله في شكل قرار وزاري. وذلك تريث محمود ربما كان من أسبابه احتمال عودة المجلس الوطني بشكل أو بآخر بموجب المادة رقم 65 من دستور 1973. ولعله لم يكن واضحا أو متصورا أن عودة البرلمان ستستغرق أكثر من ثلاثين سنة. ولهذا تأخر صدور القانون الفعلي (الحالي) للإسكان في شكل قرار وزاري من الناحية الفعلية، ولا نقول من الناحية الجوهرية أيضا.
أن الأمر الأميري بالحل ولو أنه أحال كل صلاحيات السلطة التشريعية لمجلس الوزراء فقد أحالها حتى عودة المجلس الوطني. ولما عاد المجلس الوطني، فإنه لا يجوز التعويل بشأن الإسكان على المرسوم بقانون رقم 10/1976 بعد انتفاء وانتهاء الأوضاع الاستثنائية التي كانت قائمة وقت صدوره وكانت السبب المباشر في صدوره على الشكل المذكور من حيث الشكل لا الجوهر. أو بعبارة أخرى، فقد أوجب قانون صدور القانون الحالي للإسكان على السلطة التنفيذية أن تحيل في شأن الإسكان إلى المجلس الوطني فور عودته وتسنمه لمقاليد أعماله الدستورية. ولكن الحكومة الموقرة فاتها أو ارتأت لأسباب غير معلومة أنها لا تحتاج إلى رقابة المجلس الوطني الحالي عليها أو رأيه في أمور إسكان المواطنين.
وفضلا على ما تقدم، وبخلاف المقرر دستوريا بموجب المادة رقم 1/د (الحكم ديموقراطي - السيادة للشعب - الشعب مصدر السلطات جميعا - يمارس الشعب سيادته على الوجه المبين في الدستور) والمادة رقم 32 (الفصل بين السلطات الثلاث) فإن القرار رقم 12/2004 منح سلطات جوازية للمحكمة بشأن الأحوال الشخصية. والبأس في ذلك أن هذا التجويز لم يكن من المجلس الوطني صاحب السيادة بل كان من موظفين اثنين عموميين غير منتخبين هما - بحسب ديباجة القرار - وكيل وزارة الإسكان ووزير الإسكان الموقرين. (وبالمقابل وبالمعنى نفسه كان بيدهما - لو صح القرار - ألا يمنحا هكذا سلطات للمحكمة).
المساس بالأسرة
وبالقرار نفسه 12/2004، وفيما يخص الأحوال الشخصية أيضاً (وبينما جوزت الفقرة الأولى من المادة السادسة منه ما جوزت للمحكمة - بخلاف الدستور؛ بحسب ما تقدم ذكره في الفقرة السابقة - لم تعط تلك الفقرة أية سلطة فيما يخص المسئولية عن سداد أقساط الخدمة الإسكانية). فمثلا: في حال رأت المحكمة أن تفرق بين زوجين لأسباب ومقاصد موجبة للتفريق فقط ولكن بحيث تتحمل الزوجة تبعات ذلك التفريق أو أي جزء منها فإنها في تلك الحال أمام أمرين كلاهما سيء من وجهة نظرها. فإن فرقت، وقعت ثمة تبعات لا ترضاها المحكمة على الزوج من غير داع بموجب أحكام الفقرة الثانية. وإن لم تفرق مخافة وقوع ذلك الضرر على الزوج، لم يحصل للأسرة المنافع المترتبة على التفريق التي ترى المحكمة وجاهتها.
أما القرار رقم 83/2006، فقد أتاح حتى لأي من أبناء أو بنات الرجل متى بلغ الفرع ثماني عشرة سنة من العمر، فرصة أن يتمرد على أبيه«أبيها مدعوما» مدعومة بخدمات إسكانية متى نشزت أمهما، وإن من غير رقابة من المحكمة على حقيقة أحوال أسرة الرجل المنكوب. كما أنه من الواضح أن من كتب نص هذا القرار لم يهمه إن توالى الأبناء والبنات في تولي دور «رب الأسرة» - بحسب المعنى قرين هذه العبارة في المادة رقم 1 من هذا القرار. بدلا من رب الأسرة الحقيقي المنشوز في حقه، وفي ظل الغياب التام للرقابة القضائية. ولو أدى ذلك إلى إدامة النشوز وسلب الأسرة دور ربها الحقيقي مدعوماً بالمال العام، فتكون وزارة الإسكان الموقرة بذلك قد وظفت المال العام (المنوط بها إدارته) للإساءة للمجتمع بدلا من خدمته.
وحتى من حيث الصياغة، فشل القرار رقم 12/2004 في أن يبدو كجزء متصل ومترابط بجسم قانون الإسكان. والمحاذير هنا كثيرة، ومنها ما يؤدي إليه هذا القصور في الصوغ من احتمالات ازدياد وتيرة الخطأ في تطبيق القانون أو عدم الأخذ به سهواً من قبل جماعة المفسرين (القضاء الواقف والقضاء الجالس، والأكاديميين والباحثين القانونيين).
ما هو الحل إذن؟
الحل متاح وواجب الإسراع فيه قبل أن يقع المحذور وقبل أن يقع الفأس في الرأس. ووجوه الحل قد تتعدد، ولكنها تلتقي عند ضرورة أن يتم اتخاذ الخطوات الآتية:
أن يتم تجميع شتات القانون الحالي وأن يصدر من جديد بنص جديد ومن خلال القنوات الدستورية.
أن يتم تعديل نصوصه بما لا يتعارض مع الدستور والقانون. وأن يتم تعديل نصوصه بما يخدم الغايات من وجوده بشكل أفضل. والسؤال: على من تقع مسئولية إصداره من جديد؟
المسئولية عن ذلك ليست مقتصرة على جهة معينة، فالكل معني وممسوسة مصالحه عندما تنحرف بوصلة القانون، ولكن التحديد واجب أيضاً. فالسلطات الثلاث معنية ومناداة بهذا المقال لأن ترفع الحيف الذي سيؤدي به استمرار وجوب تطبيق النص الحالي على عواهنه المذكور بعضها أعلاه. وسيتم مخاطبة رئيس وأعضاء المجلس الوطني بعد الانتخابات المقلبة إن بقيت الأوضاع على ما هي بقصد تعديلها. أما في الوقت الراهن فإننا نهيب بكل من معالي وزير الإسكان، ومعالي وزير العدل، ومعالي مجلس القضاء الأعلى والقضاة - وخصوصا الشرعيين منهم - ومعالي رئيس مجلس النواب ومعالي رئيس مجلس الشورى الموقرين جميعا أن يأخذوا بناصية هذا القانون المنفلت - بحسب زعمنا - من عقالات لم يمرر من خلالها أصلاً كما تقدم الشرح
العدد 1323 - الخميس 20 أبريل 2006م الموافق 21 ربيع الاول 1427هـ