إن تعظيم الاستفادة من اتفاق التجارة الحرة مع أميركا يتوقف بداية، على إزالة محددات الطاقة الاستيعابية وإمكانات التوسع فيها حتى تتاح الفرصة للاقتصاد البحريني من الاستفادة من الاتفاق المعني. وعرضنا في مقال سابق المناخ الاستثماري كأحد المحددات الهيكلية للطاقة الاستيعابية واليوم نعرض العنصر الثاني وهو التقدم التقني، الذي يلعب دوراً كبيراً في إحداث النمو الاقتصادي ومن ثم زيادة القدرة الاستيعابية للاقتصاد. ويؤدي التحسن في التقنية إما إلى إنتاج الكمية نفسها من المخرجات باستخدام قدر أقل من المدخلات، أو إنتاج قدر أكبر من المخرجات بكمية المدخلات نفسها.
وأجريت الكثير من الدراسات في الكثير من الدول، ولاسيما الدول الصناعية المتقدمة، لتحديد نسبة الزيادة في دخل الفرد أو إنتاجيته التي ترجع إلى التطور التقني وحده. وقدر أن 90 في المئة من معدل الزيادة في إنتاج الفرد في الولايات المتحدة، في الأجل الطويل، يرجع إلى عوامل خاصة بالتطور التقني وارتفاع مستوى التعليم. كذلك ساهم التطور التقني في تحقيق زيادة في إنتاجية العامل الصناعي في إيطاليا بأكثر من 88 في المئة. وتتحقق مساهمة التطور التقني في زيادة القدرة الاستيعابية للاقتصاد من خلال:
زيادة الموارد الطبيعية الموجودة، عن طريق اكتشاف موارد جديدة، فقد ساعد التقدم التقني على ابتكار وسائل فعالة للكشف عن المعادن ومصادر الطاقة، ومن ذلك استخدام الأقمار الصناعية في اكتشاف الموارد المعدنية وغيرها من الموارد الطبيعية.
اكتشاف استخدامات جديدة للموارد الموجودة، مثل استخدام النتروجين الموجود في الجو في صناعة النشادر، أو الحصول على الهيدروجين من تحليل المياه بواسطة الكهرباء.
زيادة إنتاجية الموارد الموجودة، فيمكن مثلا زيادة إنتاجية اليد العاملة عن طريق التعليم والتدريب واستخدام آلات متطورة عالية الكفاءة، وكذلك استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات في زيادة إنتاجية الأراضي الزراعية.
اكتشاف طرق إنتاجية جديدة، إذ يلاحظ تغيير مستمر في طرق الإنتاج المستخدمة في الصناعة، ما يساعد على زيادة الإنتاج، فضلا عن زيادة جودة المنتجات ذاتها، ومثال ذلك استخدام طريقة الصب المستمر Continuous Casting في صناعة الصلب وغيره من المعادن، واستخدام محولات الأكسجين في صناعة الصلب وطريقة الطرد المركزي في صناعة النشادر بدلا من طريقة الضواغط المترددة.
ويلاحظ أن الفجوة التقنية Technological Gap بين الدول النامية والدول المتقدمة في اتساع مستمر، ما يترتب عليه وجود فوارق ضخمة في كل المؤشرات المعبرة عن التقدم.
ويعتبر نقل التقنية من الدول المتقدمة إلى النامية هو الوسيلة المناسبة لتضييق تلك الفجوة، ولكن يجب ألا يتم هذا النقل بصورة عشوائية، وإنما في إطار استراتيجية إنمائية شاملة. بعبارة أخرى يجب أن يتم تطعيم الاقتصاد النامي بوسائل التطور التقني المناسبة، وفى الوقت الملائم مع مراعاة أن يتفق كل ذلك مع التصور المرسوم لتغيير الهياكل الاقتصادية في الدول النامية.
ويلاحظ أن التغير التقني Technological Change يمكن أن يأخذ أشكالا مختلفة، فقد تكون التقنية موفرة لرأس المال Capital Saving إذا أدى التغير التقني إلى استخدام نسبة من كمية رأس المال إلى كمية العمل أقل مما هي عليه. وقد تكون التقنية موفرة للعمل Labor Saving إذا أدى التغير التقني إلى استخدام نسبة من كمية العمل إلى كمية رأس المال أقل مما هي عليه. كما قد تكون التقنية محايدة، Neutral إذا أدى التغير في التقنية إلى عدم تغير النسبة المستخدمة من العنصرين.
وخلاصة ما سبق هو ضرورة تحديد ودراسة المستوى التقني المتاح في دولة البحرين والعمل على استغلاله الاستغلال الأمثل من ناحية والحرص عند استيراد التقنية من ناحية أخرى، فيتم باستيراد التقنية المناسبة لظروف البلد والتي تمكن من زيادة طاقة الاقتصاد الاستيعابية، ما يمكن، بالتبعية، من تعظيم الاستفادة من اتفاق التجارة الحرة مع أميركا
العدد 1322 - الأربعاء 19 أبريل 2006م الموافق 20 ربيع الاول 1427هـ