لم يكن غريبا أن نسمع للسيد الخاتمي في زيارته الأخيرة للبحرين الشهر الماضي تأكيده الشديد على أولوية التعليم وربطه المباشر بمستقبل الشعوب، فالرجل قبل أن يكون رئيس دولة سابقاً، فانه مفكر من الطراز الأول، ومنظر عابر للقارات، يهتم بالقضايا الاستراتيجية بدل القضايا الاستهلاكية أو التفاصيل الصغيرة التي لا تؤثر في الأجيال ولا تصنع الأمم. في السياق نفسه، تذكرت خطاب رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في انتخابات 1997 حينما قال: «إذا سألتموني عن الأولويات الثلاث لحكومتي فسأقول لكم: التعليم، التعليم، التعليم». والكل يعلم ان هذه ليست شعارات وانما التزامات تتبعها برامج عمل وموازنات. وهنا يأتي السؤال: أين يقع ملف التعليم في برنامج الحكومة في البحرين؟ وما واقع هذا الملف على أرض الواقع؟
نعم، نسمع عن مبادرة ولي العهد لتقييم العملية التعليمية، ونقدر جهود وزير التربية والتعليم في هذا المجال، لكنها وبكل صراحة مازالت جميعها لا تلبي الطموح، فمازال واقع التعليم متخلفا، ويكفي أن نذكر بعض الأمثلة حتى نعي حجم المسئولية. فجامعة البحرين التي يدرس فيها ما يقارب العشرين ألفا (ثلثان منهم إناث)، وهو ما يعادل 80 في المئة ممن يدرسون الدراسات العليا، والباقي يتوزع على الجامعات الخاصة، تحتاج لمزيد من العناية والاصلاح، فالنتائج فيها مفزعة! 25 في المئة فقط من الطلبة الداخلين كلية العلوم يتخرجون، وفي كلية الهندسة 34 في المئة فقط يتخرجون، أما إذا سألنا عن نسبة الطلبة الذين يكملون الدراسة في الجامعة، فهي 43 في المئة فقط للبكالوريوس، و22 في المئة للدبلوم، والباقي (35 في المئة) يفصلون أو يتسربون!
ولعل تصريح وزير التربية والتعليم الأسبوع الماضي عن أعداد المفصولين في هذه الصحيفة الغراء، يعكس حجم المشكلة، إذ بلغ عددهم منذ العام 2000 حتى الفصل الأول من العام الجاري 8415 طالبا وطالبة! أما إذا تحدثنا عن الثانوية العامة، فنسبة الطلبة الذين تخرجوا العام الماضي بمعدل 90 في المئة فما فوق، هي 26 في المئة فقط من مجموع الخريجين، ونسبة الإناث فيها بلغت 70 في المئة، ما يدلل على عمق الفجوة المتنامية بين الجنسين!
والمرحلة الإعدادية لم تكن أحسن حالا، خصوصا الطلبة الأولاد، فمن بين 28 مدرسة بنين، جاءت 15 مدرسة فوق المتوسط، بينما 13 جاءت في العام الماضي تحت المتوسط، ومنها عدد من المدارس الكبيرة لم تزد نسبة نجاح الطلبة فيها عن 40 في المئة أو 32 في المئة!
ولا أريد أن أرهق القارئ بالأرقام المخيفة الأخرى، فما ذكرت كان لمجرد الاستدلال فقط، ولكن السؤال الأساسي: من المسئول عن هذه الارقام الخطيرة؟ طبعا المسئول الأول هو الحكومة، فهي التي تضع السياسات التعليمية، وهي التي تتحكم بعناصرها من معلمين ومناهج وإدارات، وهي التي ترصد الموازنات. والسؤال المطروح، هل كان التعليم أولى أولويات الحكومة في البرامج والموازنات؟
لو كان ذلك لما استصرخت جامعة البحرين على لسان نائب الرئيس في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 بسبب نقص الموازنة وأعلنت سياسة التقشف ووقف برنامج بعثات البحث العلمي وإلغاء الفصل الصيفي، ومع ذلك لم تتلق اي دعم من الحكومة. ولو كان كذلك لما تعذرت الحكومة أيضا بضعف الموازنة في موضوع البعثات ولم تطرح إلا 614 بعثة ومنحة دراسية فقط في العام الماضي ومعظمها في جامعة البحرين، ثم تصدقت على 780 طالبا وطالبة فقدمت لهم منحا مالية بمبلغ 400 دينار فقط سنويا لكل طالب، على رغم أن معدلات بعضهم يصل 94 في المئة! فهل يعكس هذا أولوية للتعليم عندنا؟
اذكر بالمناسبة تصريح وزير الخزانة البريطاني غوردون بروان حين عرض موازنته نهاية مارس/ آذار الماضي قائلا «التعليم هو أول الأولويات، والخيار الأول في الموازنة والنصيب الأوفر سيكون لجودة التعليم في المدارس، والاستثمار في المدارس الذي كان 600 مليون جنيه العام 1997 سيكون في السنوات المقبلة 6 مليارات جنيه.
لنكن صريحين، لا يمكن أن تتحدث الحكومة عن برامج جودة التعليم إلا إذا كان الملف التعليمي على رأس الاولويات موازنته فوق الموازنات. والمسئول الثاني ولا شك يأتي دور القطاع الخاص خصوصا في المجالات التي تتقاطع فيها المصالح وتشترك فيها الهموم مع الدولة والمجتمع بحكم الواجب الوطني كضعف مخرجات التعليم وعدم ملاءمتها لحاجات سوق العمل مثلا، فيمكن للقطاع الخاص المساهمة إذا تم إشراكه في خطة البعثات واختيار التخصصات كما ونوعا بما يتناسب مع السوق من أجل تقليل مشكلة البطالة. فلا يجوز أن يضيع بعض أبنائنا الطلبة، بعد الجد والاجتهاد، وبعد أن تخلت عنهم وزارة التربية بحجة ضعف الموازنة ومعدلاتهم تقارب 95 في المئة ولا تجد يدا من الشركات أو المصارف تمتد لدعمهم على رغم أن 1 في المئة من أرباحهم يكفي لموازنة البعثات كلها!
المسئول الثالث هو المجتمع والجمعيات الأهلية، والمطلوب منهم ترشيد الأنشطة، وتحديد الأولويات، فلا يجوز أن يكون الملف التعليمي في المؤخرة بينما تزدحم الساحة بالفعاليات، ولا يجوز أن يسكت المجتمع أو الأسرة حين تتراجع نسبة نجاح أبنائها إلى أدنى نسبة ولا تحرك ساكنا، ولا تسائل حتى المدرسة أو الوزارة
إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل خليل"العدد 1321 - الثلثاء 18 أبريل 2006م الموافق 19 ربيع الاول 1427هـ