الذي تتميز به هذه البلاد الصغيرة هو «إنسانها»، فلا نفط هنا ولا معادن ثقيلة تجر عليها صراعات دولية كالتي تعصف بنا في الخليج، وعلى رغم ذلك، تأبى فلسفة هذه البلاد منذ الحبيب بورقيبة حتى عهد زين العابدين بن علي إلا أن تكون الأكثر تميزا بين دول المغرب العربي. تونس الصغيرة، التي تكبر في تسارع رهانه إنسانها تعليماً وكفاءة وتطورا، أصبحت عصية على الرجوع للخلف. لا شيء هنا يعيدك للماضي، إلا من زاوية استرجاع الضوء، وأضواء السوق العتيقة «عامرة» بالحب، فضلاً عن الجمال والتقدم الذي تنتهي به السوق إلى حيث الوزارة الأولى. تونس التي تتفوق على إيطاليا والهند وإندونيسيا وروسيا الاتحادية - حسب مقررات قمة دافوس 2005 - في مجال استخدامات تقنيات الاتصال والمعلومات وامتلاك الأرضية التكنولوجية المساعدة على النفاذ إلى الشبكات الاتصالية الحديثة، هي ذاتها التي تمزج عاصمتها بأرواح «قرطاج» الموغلة في القدم. الجميل في تونس أنها تجمع ما لا يجتمع إلا نادراً، فاستطاعت هذه الأرض أن تجمع الحضارة والتقدم من دون أن تكون أصداء هذا الاندماج عصية على الإنسان. ثمة «زحام» بين الأمس واليوم، وهو أشبه بالمعركة، والمنتصر فيها دائماً وأبداً هو «الإنسان التونسي».
يركز البرنامج السياسي للرئيس زين العابدين بن علي في المرحلة المقبلة على هدفين مهمين، وهما «بناء اقتصاد المعرفة» و«توفير فرصة رقمية لكل مواطن»، استشف من هذا البرنامج الذي يجند التونسيون قواهم في تحقيقه إطلالة جديدة لهم، وسيكون لتونس أن تشهد «حركة وطنية» جديدة في عهدها الزاهر، ما يقودنا إلى تمثيل التجربة التونسية في كثير من النواحي على أنها الأميز «عربياً»، بالاعتماد على أن مقوماتها الاقتصادية محدودة، ولا تعتمد إلا على الصناعة التصديرية الوحيدة لديها (السياحة).
التونسيون أمام مرحلة وطنية جديدة، ومحك تاريخي آخر، فالمنجزات السياسية للعلمنة اكتملت مراحل تأسيسها، وبقيت قضايا البناء الاقتصادي وزيادة الصناعات التصديرية لمعادلة الميزان التجاري بين الصادرات والواردات، المحك الأهم لهذه التجربة الناجعة، وإنسان تونس قادر على تجاوز هذا التحدي، وهو بالتأكيد إنسان المستقبل كما هو إنسان اليوم بجدارة. تونس تحتاج إلى تجاوز «فرنستها» المفرطة، تحتاج شيئا من الاقتصاد الأميركي، تحتاج إلى أن تفتح أسواقها للاستثمارات الأميركية أكثر، وعندها تكتمل الصورة الجديدة بشكل أكثر قابلية للانتاج، ولا أملك من على شارع «الحبيب بو رقيبة» إلا أن أستلهم من تونس إنسانها للحظات، إذ يبدع في شتى أوقاته، ومهما كانت رهاناته صعبة أو مكلفة
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1321 - الثلثاء 18 أبريل 2006م الموافق 19 ربيع الاول 1427هـ