العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ

«بولو» اسم لعبة الحرب المحتملة أبعد من 11 سبتمبر... ومن العراق

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

هل ما حدث في 11 سبتمبر/ ايلول 2001 نوع مطور من خطة نورث وودز؟ وهي الخطة التي رفعها القادة العسكريون الاميركيون إلى الرئيس جون كينيدي عن شن حملة ارهابية مزيفة - كاملة بما فيها من تفجيرات وخطف وتحطم طائرات وسقوط ضحايا اميركية - بهدف تبرير اجتياح كوبا. كينيدي رفض الخطة، فتعرض للاغتيال بعد بضعة اشهر من ذلك.

هناك فعلا من يعتقد ان رجل البنتاغون دونالد رامسفيلد بعث خطة نورث وودز حية من جديد، ولكن بقدرات لم تكن متخيلة في العام 1963 ومن دون منافس عالمي يستدعي وجوده اعتماد الحذر.

على أية حال من الصعب اثبات ذلك، وربما من الافضل عدم الاستغراق في الجدل حول هذا الموضوع مادام بن لادن ومعاونوه اماطوا اللثام عن بعض تفاصيل ما حدث.

ولكن مع ذلك، فإن ما جرى تم تجييره لحساب البنتاغون وصقور الادارة الاميركية. منذ الاجتماع الاول لمجلس الامن القومي الاميركي بعد 11 سبتمبر طرح رامسفيلد ـ وزير الدفاع ـ سؤالا في غاية الأهمية يقول: هل نركز على بن لادن وتنظيم القاعدة فحسب، أم نقصد محاربة الارهاب على أساس أوسع نطاقا؟. وأثار مسألة العراق متسائلا: لماذا لا نتحرك ضد العراق ولا نقتصر على تنظيم القاعدة وحده؟ ولم يكن رامسفيلد يتكلم بالاصالة عن نفسه فقط حين اثار هذه المسألة بل كان نائبه بول ولفويتز ملتزما سياسة تقضي بجعل العراق هدفا رئيسيا في أول جولة من جولات الحرب على الارهاب. وبحسب بوب وودوارد الذي ينقل هذا الكلام في كتابه الاخير «بوش يخوض الحرب» فإن نائب الرئيس ديك تشيني كان يؤيد هذا التوجه .

وفي هذا السياق يمضي وودوارد إلى مزيد من تفصيل على الوجه الآتي: قبل هجمات سبتمبر، كان البنتاغون عاكفا على مدار أشهر على تطوير خيار عسكري بخصوص العراق، كل من كان جالسا إلى طاولة الاجتماع كان يرى ان الرئيس العراقي شخصية خطرة وقائد من دأبه اقتناء، وربما استخدام أسلحة الدمار الشامل، ومن ثم فإن أي حرب جادة ومكتملة ضد الارهاب، من شأنها أن تتخذ من العراق هدفا في نهاية المطاف، وكان رامسفيلد يثير اذن امكان أن ينتهزوا الفرصة التي اتاحتها امامهم هجمات الارهابيين لكي يلاحقوا الرئيس العراقي بغير توان.

بيد ان القضية تظل ابعد من استهداف العراق، بل وحتى ابعد من ضربة سبتمبر نفسها، فقبل وصول الادارة الحالية إلى البيت الابيض، انشغل عدد من الرجال الذين يحيطون الرئيس بوش الابن في التأسيس لمشروع القرن الاميركي الجديد إلى جانب عدد من المؤسسات البحثية من بينها «مركز هادسون». محور هذا المشروع بحسب ما يكشف عنه الصحافي البريطاني جون بيلغر هو الحاجة إلى بيرل هاربور جديد: أكثر كارثية وأكثر تحفيزا.

الوصول إلى البيت الابيض من قبل هؤلاء الرجال العازمين على ان يكون القرن الحادي والعشرين هو الآخر قرنا اميركيا، وحصول بيرل هاربور المرجو فتح الفرصة لتنفيذ المشروع وخلاصته تحقيق استحواذ أميركي على الموارد الرئيسية في العالم التي تؤمن استمرار الصدارة الاميركية. ولا تريد واشنطن أية شراكة في ذلك الاستحواذ لا مع الحلفاء الأوروبيين، ولا مع الآسيويين، وتريد ضمان اقتصاد ومكانة متقدمة لا يقترب منهما أحد في العالم بأسره. وحتى تضمن تفوقها وهيمنتها عليها ان تبادر إلى تصفية خصومها بل واقتلاع كل النتوءات التي تعيق امتداد هذه الهيمنة.

بهذا المعنى الحرب على افغانستان كما الحرب المتوقعة على العراق ليست بمعزل عن هدف إحكام القبضة على الثروة النفطية في آسيا الوسطى والشرق الاوسط. ولذلك فإن القضية في جوهرها لا علاقة لها بنزع اسلحة الدمار الشامل التي اثبت المفتشون الدوليون حتى الآن بأن كل المزاعم الاميركية والبريطانية لا تعدو ان تكون مجرد هراء. وان القضية فيما يتعلق بالعراق ليست فقط احتياطي هذا البلد الضخم من النفط ولكن ايضا النتوء الذي تمثله سياسته في وجه اتساع الهيمنة الاميركية. والمؤكد انه بعد الفراغ من العراق سيأتي الدور على ايران ومن ثم على دول المنطقة الاخرى. والحقيقة التي يجب ان نتذكرها ان الرئيس بوش عندما ذهب في اكتوبر/تشرين الاول الماضي إلى الكونغرس يطلب منه التفويض بشن الحرب لم يكن يطلب تفويضا مقتصرا على العراق. واستغرق ذلك وقتا حتى اضطر الرئيس الاميركي إلى حصر تفويضه الذي وافق عليه الكونغرس بالعراق. اذن نوايا الادارة الاميركية وكذلك مخططاتها تتعدى العراق بمراحل. وما يقال عن اعادة رسم خريطة سايكس بيكو ليس مجرد تصورات تشاؤمية، بقدر ما هو مدركات استراتيجية هناك من يعمل على ترجمتها واقعا. فحتى الاسم الرمزي للحرب يأخذ هذه الدلالة، فإذا كانت الحرب الاميركية في المنطقة تحمل اسم لعبة «البولو» فإن الحرب على العراق ما هي إلا خطوة للحرب الأوسع. ولذلك أطلق اسم «ستب اوف بولو» على الحرب على العراق.

وبغض النظر عن هذه الجزئيات والتفاصيل ، فهناك احساس متعاظم بالنتائج الكارثية لهذه الحرب التي تتجاوز الحيز الجغرافي الذي ستدور عليه، والتي من المؤكد انها لن تمس العراق والمنطقة وحدها وإنما اجزاء اخرى من العالم. ووفق هذا الاحساس يجب ان تتم حركة ضاغطة في عدة اتجاهات وعلى أكثر من صعيد ومن قبل عدة اطراف دولية وعربية للحيلولة دون وقوع الكارثة. وليس الاكتفاء بالتحذير منها ومن شرورها، وإنما العمل الدؤوب للحيلولة دونها

العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً