على رغم تدهور الأوضاع في العراق وعلى رغم صيحات الكتل السياسية العراقية (الكردية والسنية والعلمانية) ومن قبل بعض أصوات من داخل الائتلاف العراقي الموحد لتغيير مرشحها لمنصب الرئاسة فإن قائمة «الائتلاف» في اجتماع قادتها السياسيين الأخير خرجت بنتيجة عدم تبديل المرشح بل وعلى رغم وجود لجنة التشاور لديها سابقاً خرجت بتأسيس لجنة أخرى للتباحث مع الأطراف المعترضة بشأن تقديمها للائتلاف مبرر رفضها. القرار الشيعي الأخير، من دون شك، وجه العملية السياسية نحو نفق مظلم آخر واشعار الرأي العام العراقي بأنهم فعلاً أمام «حوار الطرشان» أو أنهم أمام حوار «بيزنطة». ففي حين كان ينتظر من الائتلاف تقديم التنازلات (بحسب نصيحة السيد السيستاني) بقيت قائمة الائتلاف على المرشح الجعفري الذي بقرارها هذا شكل لدى الأطراف الشكوك في قدرة الائتلاف على إدارة ازماته. ويجمع المراقبون على أن قرار الائتلاف الأخير الذي رفضه كل من الاكراد وجبهة التوافق وربما القائمة العراقية أيضاً شكل صدمة قوية للقوى السنية والأكراد (والشيعة أيضاً) الذين يريدون تشكيل حكومة وحدة وطنية تعكس صورة الطيف العراقي، وأتى لأجل تضييع الوقت ليس إلا ثمة من يرى أن الائتلاف وإصراره على أن يكون الجعفري المرشح الأوحد الذي يتهم من قبل الاطراف بأنه يحتكر السلطة وفشل في القيادة... سببها هو إما أن يكون حرص المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والفضيلة على وحدة الائتلاف أو أن حزب الدعوة والتيار الصدري قوتان رئيسيتان في الساحة الشيعية وأنهما أصحاب القرار الشيعي أو بالأصل عدم امتلاك الائتلاف استقلالية القرار أو هناك قوى خفية تعمل في العراق من دون أن تدرك القوى العراقية ذلك. وفي كل الأحوال هذه التكهنات تكشف مدى ضعف الائتلاف وليس قوته. الأكراد من ناحيتهم اعتبروا إصرار الائتلاف على الجعفري نوعاً من الاستهتار بإرادة القوى العراقية التي تصر منذ فترة على تغيير اسم مرشحها وقالوا أكثر من مرة إنهم عندما يرفضون ترشيح الجعفري لا يعني أنهم يرفضون الجعفري كشخص بل يرفضون الأداء والبرامج والقناعات، وهناك من يرى أن في فترة إدارة الجعفري شهد العراق إخفاقات في كل المجالات ولعل أول إخفاق أن حكومة الجعفري لم تستطع أن تفرض السيادة الكاملة على الأراضي العراقية ثم إن أوج الأزمة الطائفية كان في الاشهر الاخيرة أي منذ عشرة اشهر ولم تستطع حكومة الجعفري بناء علاقات صحية وصحيحة مع الجوار الإقليمي.
في فترة رئاسة الجعفري للحكومة ثمة شكاوى عدة من قبل الوزراء لرئيس الحكومة وهناك أكثر من وزير قدم استقالته قبل انتهاء فترة الحكومة ولعل وزير النفط كان أول من قدم الاستقالة، هذا عدا عن أن الحكومة كانت في كثير من الأوقات تقديراتها خاطئة وهي أخطأت في كثير من الأحيان عند تعيين الوفود، وابرز مثال امتناع برهم صالح عن الذهاب إلى مؤتمر بروكسيل لدعم العراق مع أن صالح وزير التخطيط. هذا كان من اختصاصه فضلاً عن انتقادات المحافظين والمديري العامين. في الحقيقة ان الائتلاف في ازمة مراعاة مصالح وتطلعات الأطراف الأخرى وان قرارهم هذا أصبح مصدر الخوف لدى الكثير من العراقيين وخصوصاً القوى السنية التي لم تذق طعم الشراكة بعد، وهي الآن تخاف أكثر من أي طرف آخر في العراق وخصوصاً بعد أن حدثت الأزمة الطائفية لأنهم معرضون لدفع ثمن الزرقاويين والبعثيين مرة أخرى. الوقائع على الأرض تثبت أن الذين ينزلون في الشارع ويتمسكون بالجعفري هم بعض الشيعة الموالين للتيار الصدري ولحزب الدعوة وكانت المظاهرة الأخيرة في كركوك غالبيتهم من التركمان الشيعة ومن العرب الشيعة.
بحسب المراقبين فإن القرار الذي اتخذه الائتلاف إزاء العملية السياسية العراقية التي تراوح مكانها منذ 5 أشهر والائتلاف مدعو إلى تصحيح الموقف وخصوصاً أن لدى الائتلاف شخصيات مهمة بامكانها أن تلعب هذا الدور وتولي رئاسة الحكومة، وإبراز اسم الجعفري على حساب أسماء أخرى تحظى بموافقة غالبية الكتل السياسية العراقية منطق غير صحي وغير سليم ويضع الشيعة في خانة الانعزال ويقدمهم على أن ولاءهم لطائفتهم لا لوطنهم ولا لمستقبل التعايش المنشود.
المراقبون يرون أن الائتلاف يعيش في أزمة حقيقية ولم يخرج الائتلاف من الازمة إلى إحداث التغيير في تراتيبه السياسية والقيادية والوظيفية في داخله ليكون بوابة التغيير ولتتأسس عليه روح التعايش والشراكة، والسؤال: هل ستتعامل قائمة الائتلاف مع رفض الاكراد والسنة بمسئولية أكثر وتقوم بتغيير المرشح ليخرج العراق من ازمته السياسية؟
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1318 - السبت 15 أبريل 2006م الموافق 16 ربيع الاول 1427هـ