احتفل المسلمون هذا العام بذكرى ميلاد الموحد الأعظم نبينا محمد (ص) بطرقهم الخاصة جداً. ففيما كان يرتجى من هذه الذكرى أن تخفف من حدة الاحتقان بين الطوائف المسلمة فضلا عن توحد تيارات الطائفة الواحدة فيما بينها، تفاجأ العالم العربي والإسلامي بمزيد من المواقف المتشنجة والتصريحات النارية التي أفصحت عن عقدة إقصائية لم تستطع حتى محاولات التقرب بحب الرسول (ص) تذويبها.
ليس بدءا من تصريحات الرئيس المصري التي استهل بها احتفالات المولد النبوي الشريف بإعطاء الضوء الأخضر لمزيد من التأزيم وسفك الدماء البريئة في العراق وغيرها، وليس انتهاء بواقعنا المحلي الذي مازال يفرز بين الحين والآخر نماذج متكررة من نمط الخطاب المصري الأخير، نجد أن مواقع صنع الاقرار في الأمة العربية والإسلامية عموما وكذلك مجتمعاتنا الصغيرة التي أخذت تحذو حذوها أصبحت وكأنها تعيش على أرض مدججة بالألغام. فالكل يخطط بحذر ويتحرك بحذر وينفتح على الآخر بحذر، ولا غالب الا طابع التشكيك وافتراض سوء النوايا. فأية وحدة وأي توافق يرتقب من وضع كهذا؟
طبعاً، لا يمكن تجاهل العشرات من الظواهر الوحدوية المخلصة التي شهدتها الساحة ومازالت، وهي في حد ذاتها تبعث على الاطمئنان بوجود كوادر لاتزال متمسكة بالمنهج الوحدوي بفطرتها فقط وبعيدا عن تنظيرات بعض المثقفين التي ما برحت تدور بنا في حلقة مفرغة إلا من الطائفية والعصبية التي يدعون محاربتها. ولكن ما يؤسف له أن واقع الحال ينبئ بخروقات كبيرة ترتكب باسم المصلحة العامة وباسم الوحدة الاسلامية.
لا يمكن إغفال أن جهات عدة تتقاسم مسئولية هذه التحركات التي تؤسس إلى وضع «مكهرب» لا يحتمل العيش معه، وواحدة منها هي بعض أدوات السلطة؛ التي مازالت تصر على فرض سياسة «الطرف الأقوى والأمر الواقع»، مستطردة في عمليات التمييز الوظيفي والتجنيس المنظم وسياسات التكتم المعلوماتي وغيرها من عوامل تسخين الأجواء وإرجاع البلاد إلى حقبة التوترات التي لا تستفيد منها إلا قوى الظلام فحسب.
كما أن شواذ الاعلام والصحافة وأرباب الأقلام المسعورة المتروكة على عواهنها تسرح وتمرح في أعراض الأمة ومقدساتها من دون حسيب... لها الثقل الأكبر في تأجيج العواطف وتأليب النفوس على الضغينة والتناحر.
وليس أقل منهما شأناً بعض مؤسساتنا التطوعية، وما تحدثه الأخطاء التنظيمية والحسابات الإدارية القديمة من إرباك للمجتمع بكل فئاته، وإقحام الأبناء فيما خلفه الآباء من زلات وفجوات، فلا منقذ لأفراد مجتمعاتنا الصغيرة من حرب بين إداري هنا وإداري هناك، يشب لهبها في المجتمع بأسره. العجيب أن كل طرف منا مستعد لرفع مصحفه على رأس رمح لإثبات صحة معتقداته وسلامة رؤاه من أجل إقصاء الآخر وطمس المساحات المشتركة... «وكل يدعي وصلاً...»
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 1318 - السبت 15 أبريل 2006م الموافق 16 ربيع الاول 1427هـ