العدد 1318 - السبت 15 أبريل 2006م الموافق 16 ربيع الاول 1427هـ

تغير المناخ العالمي... التأثيرات المتوقعة على الموارد المائية في البحرين

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تم في المقال السابق استعراض ظاهرة تغير المناخ العالمي، أو ما يسمى بظاهرة الدفيئة، والتغيرات المتوقعة لها من حيث زيادة متوسط درجة حرارة الكرة الأرضية، وما سينتج عن ذلك من ارتفاع لمستوى سطح البحر بسبب ذوبان الجليد وتمدد مياه المحيطات، والتقلبات الحادة المتوقعة للمناخ العالمي المتمثلة في ازدياد فترات الجفاف وحدوث الأعاصير والفيضانات، واختلال التوازن البيئي وتأثيراته السلبية على الحياة الفطرية والثروة البحرية والمناطق الساحلية والتجمعات السكانية الواقعة عليها.

وتشير آخر الدراسات في هذا المجال إلى أن الإشارات الأولى لهذه الظاهرة في تزايد مستمر، فبعد العام 1998، العام الأكثر سخونة في التاريخ الحديث للكرة الأرضية، أتى العام الماضي 2005 في المرتبة الثانية في ارتفاع معدلات درجة الحرارة، كما شهد هذا العام تقلبات مناخية كارثية في معظم أنحاء العالم تمثلت في حالات جفاف وأعاصير وتساقط ثلوج كثيفة وفيضانات لم يشهدها العالم من قبل بهذه الحدة ووصلت أعدادها إلى أرقام قياسية (41 إعصاراً وعاصفة مطرية شديدة القوة)، ورافقتها الكثير من الوفيات والإصابات ونزوح السكان، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية جسيمة رافقتها (مثل إعصار «كاترينا» في أميركا الشمالية في أغسطس/ آب 2005).

كما تم التطرق إلى تأثيرات ظاهرة تغير المناخ على مملكة البحرين وما تحمله من تحديات مستقبلية على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فعلى رغم أن مساهمة مملكة البحرين في ظاهرة تغير المناخ تكاد لا تذكر، فإنها ستكون من أكثر دول العالم تضرراً من هذه الظاهرة، وذلك بسبب طبيعتها الجغرافية كدولة جزيرية صغيرة المساحة ومحدودة الموارد الطبيعية والمائية وتتميز بانخفاض مستوى أراضيها عن سطح البحر، بالإضافة إلى وقوعها في منطقة جافة تتميز بهشاشة بيئاتها وحساسيتها العالية لأي تقلبات مناخية، وبأنه لا يوجد لدى المملكة من خيارات إزاء هذه الظاهرة إلا التكيف معها وتخفيف أضرارها المستقبلية المتوقعة.

وبحسب الدراسات التي قامت بها مملكة البحرين من خلال الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية ضمن «الاتفاق الإطاري العالمي بشأن تغير المناخ» بالتعاون مع جامعة الخليج العربي فإن التأثيرات التي ستترتب على مملكة البحرين من هذه الظاهرة ستكون كبيرة جداً وحرجة، إذ يمكن أن يؤدي الارتفاع التدريجي لسطح البحر في فترة المئة سنة المقبلة إلى خسارة ما مساحته من 36 إلى 70 كيلومتراً مربعاً من سواحل البحرين أو ما نسبته من 5 إلى 10 في المئة من المساحة الكلية للبحرين بحسب السيناريوهات الموضوعة لارتفاع مستوى سطح البحر (من ربع إلى واحد متر)، وبالإضافة إلى خسارة هذه الأراضي وتقلص مساحة البحرين، المحدودة أصلاً، فإن غمر مياه البحر لأراضي البحرين سيؤدي إلى تأثيرات وخسائر اجتماعية واقتصادية كبيرة على المناطق السكنية والأراضي الزراعية والبنية التحتية الساحلية. فعلى سبيل المثال تم تقدير كلفة خسارة شبكات الطرق الساحلية بسبب هذه الظاهرة بنحو 2 - 6 ملايين دينار بحريني، وخسارة ما نسبته من 5 إلى 11 في المئة من المساحات الزراعية، بالإضافة إلى ما سينتج عن ذلك من تدني كفاءة شبكات الصرف الزراعي، وتغدق التربة وزيادة تملحها، وفي النهاية خروجها من دائرة الإنتاج الزراعي وتصحرها.

كما ستؤدي هذه الظاهرة إلى تأثيرات سلبية على النظام البيئي الطبيعي، وخصوصاً على المخزون السمكي والشعب المرجانية، فمن المتوقع أن يسبب ارتفاع درجة الحرارة ابيضاض الشعب المرجانية وموتها بشكل أكثر تكراراً من الحالي، وبالتالي تناقص المخزون السمكي، وسينتج عن ذلك تأثيرات سلبية كثيرة على الحال الاقتصادية والاجتماعية لقطاع الصيادين في البحرين وعلى مساهمة الثروة البحرية في تأمين الغذاء (البروتين) للمملكة.

أما بالنسبة إلى الموارد المائية، فإنه من المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى الكثير من الضغوط على الموارد المائية المحدودة في البحرين، ففي القطاع البلدي سيرتفع الاحتياج الآدمي للمياه، ما سيؤدي إلى تسارع معدلات الطلب البلدي الطبيعي الناتج عن الزيادة السكانية وبالتالي ستكون هناك حاجة إضافية إلى بناء محطات التحلية (علاوة على المخطط لها) لسد نقص المياه في هذا القطاع، مؤدياً في النهاية إلى تكاليف اقتصادية مستقبلية أكبر من المتوقعة. وفي القطاع الزراعي فإن ارتفاع درجات الحرارة سيزيد من احتياجات المحاصيل الزراعية للمياه، وفي ضوء تدني كفاءة شبكات الصرف الزراعي المتوقعة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر ستزداد الحاجة إلى كميات كبيرة من المياه لغسل التربة من الاملاح، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى زيادة الكميات المطلوبة وارتفاع الجهد على الموارد المائية الطبيعية في البحرين. أما ارتفاع مستوى سطح البحر فسيؤدي إلى زحف الواجهة بين المياه المالحة والمياه الجوفية، وزيادة تدهور نوعية هذه المياه وتملحها وعدم صلاحيتها للاستخدام في معظم مناطق جزيرة البحرين، مضيفاً بذلك ضغطاً آخر على المياه الطبيعية المحدودة.

ولذلك، فإنه بالإضافة إلى التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجه مسئولي ومديري المياه بالمملكة في سعيهم الحثيث إلى حل مشكلات تزويد المياه بالنوعية والكمية المطلوبة والمحافظة عليها من التدهور لضمان استدامتها في ظل المتطلبات المتزايدة عليها بسبب النمو السكاني ومتطلبات الغذاء والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ستضيف ظاهرة تغير المناخ العالمي تحدياً وجهداً آخر متمثلاً في ازدياد الطلب على المياه عن الحدود الطبيعية من جهة، واستمرار تناقص الكميات المتاحة منها من جهة أخرى. وسيعتمد النجاح في حل هذه المعضلة الصعبة أو على الأقل التكيف معها ومع تأثيراتها، على الخروج عن النمط التقليدي للإدارة المائية والتعامل مع ظاهرة تغير المناخ باعتبارها متغيراً إضافياً في عملية التخطيط المائي يضاف إلى متغيرات النمو السكاني ومتطلبات التنمية وأنماط الاستهلاك وتطور تقنيات إنتاج المياه، واعتماد مبادئ ومنهجيات جديدة تأخذ في الاعتبار المخاطر والاحتمالات التي من الممكن أن تنتج عن هذه الظاهرة، وتعديل أهداف الإدارة المائية التقليدية بإضافة هدف آخر يتمحور عموماً في تقليل قابلية التأثر والمخاطر على المجتمع البحريني للتغيرات المناخية والهيدرولوجية المتوقعة. وسيتطلب ذلك حتماً زيادة الإمدادات المائية باستخدام التقنيات المتاحة حالياً (التحلية والمعالجة) والمحتملة مثل حصاد الأمطار، ولكن لابد من استخدام هذه الإمدادات المائية بكفاءة أكبر من الوضع الحالي وتطبيق أدوات الإدارة المائية المختلفة في سبيل إنشاء مجتمع موجه مائياً يمكنه التكيف مع هذه الظاهرة وتخفيف آثارها وأضرارها المستقبلية المتوقعة.

لقد أصبحت ظاهرة تغير المناخ حقيقة علمية وإشاراتها الأولى في تزايد، ولم تعد مجرد خيال علمي أو إشاعة سياسية يتم استخدامها من قبل مناصري البيئة لتقليل التلوث العالمي الناتج من التوجه الصناعي للدول، ولذلك فإن البدء فوراً في التعامل مع هذه الظاهرة عن طريق إدماج تأثيراتها في عملية التخطيط المائي والاستراتيجيات المستقبلية لقطاع المياه أصبح ضرورة لا يمكن تجاوزها في إدارة الموارد المائية في مملكة البحرين.

أستاذ إدارة الموارد المائية، جامعة الخليج العربي

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1318 - السبت 15 أبريل 2006م الموافق 16 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً