نستكمل في هذا المقال الرد على ما طرحه حسين البحارنة، بشأن الجدل القائم بشأن مدى دستورية اللائحة الداخلية لمجلس النواب.
المسألة السادسة: أن القوانين الصادرة قبل أول اجتماع للمجلس الوطني، اكتسبت حصانه فلا يجوز إلغاؤها أو تعديلها او عرضها على المجلس طبقاً للمادة (38) من الدستور.
تولت المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بجلسة 27/12/2004 في القضية رقم د/2/3 لسنة 2003 القضائية الأولى الرد فقالت: إن التحقيق من مخالفة التشريع للأوضاع والإجراءات الشكلية التي يتطلبها الدستور، إنما يتم في ضوء أحكام الدستور الذي صدر التشريع المعروض أمر دستوريته في ظله ولئن كان الأصل طبقاً لأحكام المادتين 22، 70 من الدستور المعدل أن «السلطة التشريعية يتولاها الملك والمجلس الوطني وفقاً للدستور» كما بينت المادة 70 طريقة مباشرة هذه السلطة حيث تقضى بان «لا يصدر قانون الا إذا اقره كل من مجلس الشورى والنواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال وصدق عليه الملك».
إلا أن أعمال هذا الأصل الذي قررته المادتان المذكورتان يقتضي بالضرورة وجود الحياة النيابية ووجود مجلسي الشورى والنواب لمشاركه الملك السلطة التشريعية، وإذا كانت الحياة النيابية معطلة من الناحية الواقعية بعد صدور الدستور المعدل حتى أول اجتماع للمجلس الوطني لعدم وجود مجلس الشورى ومجلس النواب حتى يشاركا الملك في السلطة التشريعية، ولئن كان الأمر الملكي رقم (2) لسنة 2002، ألغى الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975، الذي أناط بالملك ومجلس الوزراء سلطة التشريع، إلا أن الحياة النيابية ظلت معطلة من الناحية الواقعية لعدم وجود المجلس الوطني على ما سلف القول، وكان يتعين وجود سلطة يناط بها أمر التشريع في غياب المجلس الوطني فكان لابد أن ينفرد الملك بإصدار التشريعات باعتباره السلطة العليا في البلاد وبذلك يكون الملك قد جمع في يديه السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية التي يتولاها كما تتولاها الهيئة التشريعية تماماً، وتكون له جميع سلطاتها وحقوقها في مجال التشريع، ويكون له الحق في إصدار مراسيم لها قوة القانون تتناول بالتنظيم جميع الموضوعات حتى تلك التي نص الدستور على أن يكون تنظيمها بقانون.
ويؤكد هذا النظر ما تقضى به الفقرة (ب) من المادة (121) من الدستور من انه «استثناءً من حكم المادة (38) من هذا الدستور - وهي المادة الخاصة بلوائح الضرورة - يبقى صحيحاً ونافذاً كل ما صدر من قوانين ومراسيم بقوانين ومراسيم ولوائح وأوامر وإعلانات معمول بها قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني ما لم تعدل أو تلغى وفقاً للنظام المقرر بهذا الدستور.
ولازم ذلك أن جميع القواعد القانونية التي أصدرها الملك قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني تعتبر صحيحة ونافذة بصرف النظر عن الأداة التي صدرت بموجبها - محصنة من الطعن عليها بالمطاعن الشكلية التي أثارها المدعي طالما لم تعدل أو تلغى وفقاً لأحكام الدستور».
أما ما ذهب إليه الكاتب من أن المادة (121/ ب) من الدستور حرمت المجلس الوطني من مراجعة حزمة القوانين التي صدرت قبل أول اجتماع - بالمخالفة لنص المادة (38) من الدستور فمردود عليه أن مجال تطبيق هذه المادة هو أن يكون مجلس الشورى ومجلس النواب في غير أدوار الانعقاد أو في فترة حل مجلس النواب ثم يحدث ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير تستدعى إصدار مراسيم تكون لها قوة القانون في شأنها مادة (38) من دستور العام 1973م، مطابقة للمادة (38) من الدستور المعدل 2002م، والحال انه قبل أول اجتماع للمجلس الوطني كانت الحياة النيابية معطلة إثر حل المجلس على ما أورده الحكم وقد أفاضت المذكرة التفسيرية للدستور في شرح ذلك فنحيل إليها.
وما تجدر ملاحظته أن المحكمة الدستورية قررت في الحكم السابق وحكمها الأول رقم د/1/3 لسنة 2003، أن جميع القوانين والمراسيم بقوانين التي صدرت قبل أول اجتماع للمجلس الوطني يجوز الطعن على نصوصها التي تخالف الدستور ويجوز تعديلها بواسطة السلطة التشريعية بل إن المحكمة أوضحت في حكمها رقم د/2/3 لسنة 2003، أن المشرع لم يحصن هذه القوانين إلا من حيث الأداة - الطريقة - التي صدرت بها، ومن ثم يجوز الطعن عليها بدفوع شكلية أخرى - بخلاف طريقة إصدارها - وبعبارة أخرى يجوز الطعن عليها شكلاً وموضوعاً أمام المحكمـة الدستورية وكذا إلغاؤها أو تعديلها بواسطة السلطة التشريعية (مجلس النواب والشورى).
وما تجدر ملاحظته، ان جل الدساتير العربية تضمنت نصاً يطابق نص المادة 121/ب من الدستور المعدل وهذا النص منقول بدوره عن نص المادة 105 من دستور 1973م وهو منقول بدوره عن نص المادة 180 من دستور دولة الكويت. وقد نصت المادة 105 سالفة الذكر على أن «كل ما قررته القوانين واللوائح والأوامر والقرارات من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحاً ونافذاً ومع ذلك يجوز إلغاؤها او تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المعمول بها في هذا الدستور».
وهذه المادة تطابق المادة 128 من الدستور الأردني، والمادة الثانية من الدستور السعودي -النظام الأساسي للحكم - والمادة 153 من الدستور السوري، والمادة 148 من دستور دولة الإمارات العربية والمادة 77 من دستور سلطنة عمان، والمادة 143 من دستور دولة قطر.
ومن المتفق عليه بين الفقهاء انه لا يترتب على إلغاء الدستور وإصدار دستور جديد أي مساس بالقوانين العادية المطبقة في الدولة وتبقى قائمة ونافذة الي أن يتم إلغاؤها بطريق صريح أو ضمني.
وبقاء هذه التشريعات - كما يذهب الفقه الدستوري - نتيجة منطقية لمبدأ استمرار الدولة وخلودها، وعلى ذلك إذا كان الخلاف انه كان يجب عرض حزمة القوانين على المجلس الوطني فإن أحدا لم يغل يد هذا المجلس في تعديل أو إلغاء ما يرى من نصوص هذه القوانين، فهذه هي سلطته التي خولها الدستور إياه.
كما أن هذه القوانين تخضع لرقابة المحكمة الدستورية وإلغاء ما يتعارض من نصوصها لأحكام الدستور. فالشرعية الدستورية التي تنهض هذه المحكمة بمسئولية إرساء أسسها وتقرير ضوابطها مؤداها أن يكون إعمال النصوص القانونية في نزاع معين مرتبط باتفاقها مع الدستور وإلا فقد سيادته وعلوه على ما سواه من القواعد القانونية.
وطبقت المحكمة الدستورية هذا المبدأ في حكمها رقم 3 لسنة 2003 بان قررت اختصاصها بنظر الطعن في اللائحة الصادرة العام 1987م عن الهيئة البلدية المركزية في شأن تعديل الرسوم البلدية - وهي من اللوائح التي حصنتها المادة 121/ب من الدستور- إذ قضت بان هذه اللائحة جاءت متجاوزة حدود القانون رقم 50 لسنة 51 فيما فرضه هذا القانون من حد أقصى للرسوم على المحلات التجارية وبغير تفويض من القانون بتعديل هذا المرسوم بما يجاوز هذا الحد، ما تعتبر معه هذه اللائحة مخالفة للأوضاع الشكلية الدستورية القائمة وقت صدورها بما يجعلها والعدم سواء ومن ثم اتصافها بعدم الدستورية.
فضلا عن أن هذه اللائحة قد خالفت الدستور إذ صدرت باللغة الانجليزية أي بغير اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للدولة طبقا للمادة الثانية من الدستور.
المسألة السابعة: أن المحكمة الدستورية مشكلة ومعينة بأمر ملكي وللرد على هذا نقول إن الملك هو الذي يعين جميع القضاة بأوامر ملكية طبقاً لنص المادة 33/ح من الدستور وهذا تبجيل للقضاة وتنظيم للعمل الذي يقومون به باعتبار أن الملك رأس الدولة (مادة 33/أ) ويأتي على رأس السلطــات الثلاث - كما نص الميثاق - وفوق ذلك فإن تعيين القضاة بأوامر ملكية يكون بناء على اقتراح المجلس الأعلى للقضاء - مادة 33/حـ من الدستور- ولا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه - مادة 104/ من الدستور - كما أن القاضي غير قابل للعزل مادة 34 من قانون السلطة القضائية.
أما بالنسبة لأعضاء المحكمة الدستورية فان تعيينهم يكون بأوامر ملكية ولمدة مؤقتة (6 أو 9 سنوات) وحددت المادة 106 من الدستور عدد أعضاء المحكمة ستة بالإضافة الي رئيسها وبذلك يكون الدستور قد منع السلطة المختصة تعيين أعضاء آخرين في المحكمة بعد تشكيلها إذ يحقق ذلك في بعض الأحيان مصلحة السلطة على الصعيد السياسي او الاقتصادي بتعيين قضاة يناصرونها وهو ما قد يؤثر على استقلال المحكمة وحيادها، ولا شك في أن تلك ضمانة مؤثرة وفعالة وضعها الدستور للمحافظة على حياد المحكمة واستقلالها كهيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها وهو الاتجاه العالمي الذي نصت عليه بعض الدساتير مثل الدستور الايطالي والسويسري والتركي.
وفوق أن أعضاء المحكمة ورئيسها غير قابلين للعزل فانه لا يجوز تجديد مدة تعينهم تجنباً لما قد يثار خطأً من محاباة عضو المحكمة الدستورية الحكومة رغبة في التجديد فإذا كان عضو المحكمة يعين لمدة مؤقتة ولا تجدد وغير قابل للعزل فكيف لا يكون في قضائه مستقلاً، ثم كيف لا يكون مستقلا؟
ألم تقض المحكمة الدستورية بعدم دستورية قرار الهيئة البلدية المركزية الصادر عام 1987 في شأن تعديل الرسوم بما معناه إلغاء القانون الخاص بتحصيل الرسوم البلدية لمخالفته الدستور.
ألم تقض المحكمة الدستورية برفض الدفع المبدى من الحكومة بعدم اختصاص المحكمة بنظر القوانين الصادرة قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني بل وذهبت المحكمة حداً ابعد بان قررت أنه من غير الجائز أن تكون التشريعات التي صدرت قبل صدور الدستور بمنأى عن الرقابة التي تخضع لها التشريعات التي تصدر في ظل الدستور وفي ظل نظمه وأصوله المستحدثة مع أن مراقبة دستوريتها أولى وأوجب. وبذلك تكون المحكمة قد قررت ان «حزمة القوانين» أولى برقابتها دستوريا من غيرها لأنها صدرت عن غير طريق البرلمان.
ألم ترد المحكمة الدستورية على ما قررته محكمة التمييز في الطعن رقم 38/ج/2003 بجلسة 31/5/2004 من أن قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية قد صدرا تنفيذاً لأحكام الدستور واستجابة لما نص عليه ميثاق العمل الوطني الذي وافق عليه المواطنون في استفتاء عام وصدق عليه أمير البلاد وقتئذ ولم يتضمنا ما يخالف نصاً في الدستور.
فقررت المحكمة الدستورية أن قضاءها برفض المطاعن الشكلية المبداة على قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية وقانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر «لا يحول دون إثارة أي مناع موضوعية يدعى قيامها بأي نص من نصوص المراسيم بقوانين الثلاثة المطعون عليها (حكم رقم 2 لسنة 2003)».
أي انه يجوز الطعن على قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية إذا ما كان يخالف الدستور والتفتت المحكمة عما قررته محكمة التمييز من أن قانون الإجراءات الجنائية وقانون السلطة القضائية لم يتضمنا ما يخالف نصاً في الدستور.
فلماذا إذاً نبحث عن السلبيات أو نختلقها ولا نبحث عن الايجابيات ونبني عليها، تماماً مثل من يطالب بحقوق وينسى أو يتناسى واجباته، تلكم كانت آفة العمال في الدول الاشتراكية.
المسألة الثامنة: أن الدستور المعدل فرض على الشعب بطريقه غير ديمقراطية - تولت المذكرة التفسيرية للدستور المعدل الرد على هذه المسألة فنحيل إليها ونضيف أن الشعب يتكون من فئات تتبنى مواقف شتى فهل كل هذه الفئات من المعارضين للدستور؟ وهل الفئة التي ينتمي إليها الكاتب تعارض بكاملها الدستور ولعل في الاجتماع الأخير للجنة الرباعي المختصة بمتابعة المسألة الدستورية دليلاً على زهد الناس وتجاوزهم لهذه المسألة.
المسألة التاسعة: أن التشكيلة الحالية للمجلس الوطني المكون من مجلسين احدهما منتخب والآخر معين لا تسمح بإجراء التعديلات الدستورية المطالب بها شعبياً.
أولاً: من قال إن الشعب بكل طوائفه يطالب بتعديلات دستورية.
ثانياً: أن هذه التعديلات تنحصر في سلب اختصاصات مجلس الشورى التشريعية (التي صدق عليها الشعب في الميثاق) وجعلها اختصاصات شورية أو تشاورية أو تقليل عدد أعضائه أو انتخاب بعضهم وتعيين البعض الآخر. أو عدم التجديد لرئيسه أو أعضائه أسوة برئيس المحكمة الدستورية وأعضائها.
ثالثاً: أن مجلس النواب يتمتع بجميع أدوات الرقابة النيابية التي يقول الفقه الدستوري ويجمع على أنها أساس وعماد الديمقراطية أما التشريع فدوره ثانوي في دولة اكتمل بنيانها القانوني أو كاد.
رابعاً: أن نظام المجلس الواحد وبحسب دستور العام 1973 يعتبر الوزراء أعضاء بحكم مناصبهم ومن ثم تتحقق الغالبية العددية بتوافر سبعة أصوات أخرى ليس إلا.
خامساً: أن نظام المجلسين يقيم توازناً بين الطوائف المختلفة بحيث لا تغلو طائفة على أخرى بما يعكر صفو السلام أو أمن البلاد ولنا في العراق ولبنان عظة وعبرة.
وأخيراً، أنوه بان كاتب المقال كان أحد أعضاء الحكومة والمسئول الأول عن إعداد التشريعات وقوانين أمن الدولة خلال فترة تعطيل الحياة النيابية واندماج السلطة التشريعية في السلطة التنفيذية فيما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً ولم نسمع له قولاً أو همساً
إقرأ أيضا لـ "لولوة صالح العوضي"العدد 1317 - الجمعة 14 أبريل 2006م الموافق 15 ربيع الاول 1427هـ