من باب حق الرد، الرجاء نشر هذا المقال رداً على الكاتب الصحافي سيدضياء الموسوي بشأن ما جاء في مقاله المنشور بتاريخ 9 أبريل/ نيسان 2006.
سلسلة من المقالات تناولت المجلس الإسلامي العلمائي بمختلف الطعون والاتهامات في بعض الصحف المحلية من قبل أقلام لا يخفى على الداني والقاصي تاريخها، وكنا نأمل من الموسوي أن ينحو منحى المنطق في نقد المجلس، إلا أن دعاواه الواسعة التي حفل بها مقاله جعلت - ربما من غير قصد - من نقده مجرد دعاية مضادة للمجلس ولدوره.
ومع أن الكاتب ذكر بداية المقال أنه ينتقد لا يجرح ولا يضرب تحت الحزام، إلا أن ما مضى من مقالات استمرت أسبوعين عن المرأة والغمز من قناة رئيس المجلس كان عكس ذلك، وليته رفع سماعة الهاتف وسأل عما جاء على لسان رئيس المجلس بخصوص دخول المرأة في البرلمان قبل أن يدخل الأسبوع الثاني من مقالاته تلك والتي بنيت على أساس المعلومة الخاطئة، وليته يتذكر جيداً غمزه الشديد على الشيخ محمد سند.
المجلس لا يحكر على أحد نقده، فهو ليس فوق الخطأ، وبالتالي ليس فوق النقد، غير أن الفرق شاسع والبون عريض بين النقد المنطقي الموضوعي المبني على الأرقام التي طالما طالب بها كاتب المقال وبين الخبط العشواء في عدد من النقاط التي جاءت في مقال الكاتب كما سيتبين.
فهناك خلط واضح لدى الصحافي حين يأمل من المجلس أن يكون مؤسسة أو مجموعة مؤسسات تعنى بالتعاطي المباشر مع مختلف المتطلبات الحياتية، بينما دور المجلس ووظائفه مكتوبة في دستوره، وتتركز على العناية بشئون الحوزات وطلاب العلوم الدينية والدعوة والتبليغ والشأن الديني الخالص بالدرجة الأولى، أما الأنشطة الحياتية الأخرى، فلها مؤسساتها الأهلية التي يدعم المجلس منها ما ينسجم مع أهدافه العامة من خدمة المجتمع، وقد يجد نفسه مضطراً للتصدي المباشر لبعض الملفات ذات العلاقة المباشرة بوظيفة المجلس، كملف الأحوال الشخصية والملف الأخلاقي وغيرها من الملفات المهمة.
في الوقت الذي يدعي كتاب الفتن المدفوعي الأجر ظلماً وزوراً بأن المجلس دولة في دولة، يأتي الكاتب ويطالب المجلس بتقمص دور الدولة من خلال هذا الكم الهائل من الوظائف حين يطلب منه التصدي لمختلف الشئون والجوانب من أعباء ألقاها على كاهل المجلس الذي لم يكمل بعد عامه الثاني، ويأتي هذا الطرح تتويجاً لطروحاته التي كررها مرات ومرات كقوله إن الناس تريد خبزاً وسكناً، وقوله إن خطاب العلماء لا ينسجم مع مطالب الناس، وغيرها من دعاوى سطرها في مقالات سابقة.
وكثيراً ما يطرح الكاتب مصطلحات وألفاظاً تأتي في غير محلها، ويتم توظيفها بصورة مغايرة ما يجعل من طرحها مجرد دعاية مؤذية للطرف الآخر، ويمكن بسهولة تحصيل عدد من الأمثلة في كل مقال تقريباً حتى أصبحت هذه الظاهرة سمة من سمات مقالاته، فهو لا يفرق - مثلاً - بين العمل السياسي والفكر السياسي حين يدعي وجود خبط عشواء في خطابات الرموز ويمثل لذلك بمسألة الموقف من المشاركة والمقاطعة أو دستور 2002م، ذلك أن الفكر السياسي يتسم بالثبات غالباً، أما العمل السياسي فيتبع الظروف، فقد يرتفع سقفه وقد يهبط، والسياسي الغبي هو الذي يتبجح بالثبات على رأي واحد.
ومثال آخر، بجانب دلالته على التخبط في استخدام المصطلحات، ذلك الخلط لدى الصحافي بين دور الدين عموماً وبالتالي دور العلماء والخطباء وبين دور المتخصصين في العلوم الأخرى، وذلك حين قال نصاً وهو يتحدث عن الشباب الذين درسوا علوم الانثروبولوجيا في الجامعات الغربية إنه: «لا يكتفي بأن تقول له الإسلام هو الحل ثم تصمت، لابد أن تقدم له النظرية الإسلامية في السياسة والاقتصاد...»، إذ كيف يقارن بين النظرية الإسلامية بشأن النظام الاقتصادي أو النظام السياسي وبين العلوم؟ فهذا نظام أو مذهب اقتصادي ومذهب سياسي وذلك علم، لذلك لا أحد يدعي بأن الإسلام يأتي بنظريات في علم الاقتصاد مثلاً وما يتفرع منه كأساليب الإنتاج وكيفية تطويرها، إنما يتحدث عما ينبغي أن تكون عليه الحياة الاقتصادية سواء في الإنتاج أو التوزيع العادل للثروات لتعكس فهم الإسلام لقيمة العدل، أما العلم المتعلق بتطوير الإنتاج وغير ذلك فهو قاسم مشترك بين كل البشر مهما اختلفت مذاهبهم الفكرية.
وأما المذهب الاقتصادي والسياسي فطالما تناول الكثير من جوانبه الخطباء من العلماء الأجلاء، وخطب بعضهم مدونة، وموجودة على شبكة الانترنت، غير أن القصور في فهم المصطلحات يدفع الكاتب لمطالبات من نوع آخر من خطب الجمعة، ومثال على ذلك طلبه الغريب من الخطب المسجدية حين يطرح ما أسماها - مع تحفظنا على مصطلحه - مادة علمية معرفية، «تعمل على تفكيك القضايا السياسية والاقتصادية ثم إعادة تركيبها»، وهذا دليل آخر على خلط الكاتب بين العلوم التخصصية في هذه المجالات وغيرها وبين دور الدين عموماً ودور الخطب المسجدية بشكل خاص، ولو صح طلبه، لانبرى كاتب آخر قرأ عدداً من الكتب في مجال الكيمياء والأحياء وعلم الفلك وغيرها من التخصصات وذم الخطب المسجدية لأنها لا تعلم الناس أدوات التحليل للمعادلات المهمة في هذه العلوم التي تمكن الإنسان من تفكيك ومن ثم إعادة تركيب المعادلات الكيماوية و... إلخ.
من الصعوبة الرد التام على مقال صغير يطرحه الكاتب، إذ يصعب حصر الدعاوى التي عادة ما يتناولها والأسلوب الذي يجعله يدخل عشرات القضايا والدعاوى في مقال واحد، وكثير مما يطرحه الكاتب يدلل على عدم الدقة في تعاطيه المصطلحات ومفهومها، كالزعم بافتقاد خطب العلماء للمادة العلمية المعرفية مثلاً، وأن ما يطرحونه تبسيط للمادة العلمية، فهل ينتظر من خطبة الجمعة تعليم الأحياء أو الفلك؟وهل يود من خطباء الجمعة طرح أسلوب وطريقة الملا صدرا في تناول القضايا الفلسفية؟ وليت الكاتب يرجع لخطب الإمام الخميني في مجال مخاطبة الجماهير على المستوى السياسي العملي وحتى الفكري إذ تتسم بالسهولة والبساطة مع عمق في المحتوى، يستوعبها رجل الشارع والمثقف الكبير، لأنها تتعلق بحياتهم وتتطلب منهم مواقف سياسية عملية، أما المسائل الفكرية ذات العلاقة بالتخصصات الدقيقة كالفلسفة والعرفان وغيرها، فنجدها تتسم بالصعوبة النسبية حتى للمتخصصين، لأنها موجهة بالدرجة الأولى للنخب والعلماء.
وهل «المجلس» مسئول عن توفير العلم والمعرفة والتدخل في صلاحيات الدولة حين يطالب المجلس بذلك أم يتوقع منه كل هذا الكم من المهمات التي يسوقها الكاتب في مقالاته عادة؟ يجدر بالكاتب أن يوجه نقده للحكومة لا إلى المجلس في كل هذه القضايا، فالتعليم والصحة تصرف عليها الدول الأوروبية كنسبة مئوية من إجمالي الدخل المحلي ما يفوق مرات ما تصرفه دولنا، بينما يموت المريض قبل أن يأتي موعد مقابلته للاستشاري في مستشفياتنا.
وليت الكاتب يكون منصفاً حين يأخذ على العلماء غياب ما أسماه القيادة الشعبية التي تمتلك مؤسسة معرفية قادرة على التعاطي...الخ، ألا يجدر به توجيه السؤال واللوم للسلطة التي وضعت في يدها كل السلطات وكل الإمكانات، وهمشت الشعب وقيادة مؤسساته الأهلية، فحتى جمعية كجمعية التوعية الإسلامية تم إيقاف نموها كعقاب جماعي لكل من يعنيهم أمرها، عن طريق غلقها وإتلاف كل إمكاناتها، أم أن الكاتب نسي أكثر من ثلاثين عاماً من بطش قانون أمن الدولة الذي جعل أجيالاً من هذا الشعب لا تعرف معنى برلمان أو دستور حين يرمي بكل هذا القصور على مجلس لم يكمل عامين منذ أن أنشئ؟
وليت الكاتب وهو دائماً ما يعقد مقارنات بين الوضع لدينا والوضع في لبنان من بناء مبرات ومؤسسات تعليمية يتذكر القيود التي تضعها الدولة والتي لم يتم تخفيفها بل زادت في تعقيدها وتشددها؛ فلم يتردد المجلس في دعم أي مشروع يخدم الناس سواء كان مشروعا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، ولا يدعي قدرته على استيعاب كل هذه المهمات والملفات، على الأقل حالياً...
وحين يزعم الكاتب عدم قدرة المجلس على تلبية حاجات الشباب المسلم المنفتح، وغيرها من دعاوى واسعة، فهل اطلع على وظائف المجلس المدونة في دستوره؟ وهل المجلس مسئول أو بالأحرى قادر على توفير ما يطلبه أم أن الكتابة لمجرد الإثارة فقط؟!
مع أننا لا ندري ما يقصد الكاتب بأن المجلس الإسلامي العلمائي يمثل طيفاً واحداً، إلا أن من المغالطات الكبيرة ذات الوزن الثقيل والتي أفرغت المقال من هدف النقد وعاكست مقدمة الكاتب حين قال إن هدفه ليس التجريح ولا الضرب تحت الحزام وهي من المغالطات الكثيرة في مقال الكاتب، قوله إن المجلس يسمع رأياً واحداً، في حين أن المجلس يضم العشرات من العلماء وطلاب العلوم الدينية وله جمعية عمومية ويتخذ قراراته بالغالبية، وليس هناك حكر على من تنطبق عليه الشروط بتسجيل عضويته ويمارس تأثيره بكل حرية، وليت الكاتب وهو دائم السؤال عن لغة الأرقام قدم لنا ما يثبت دعواه تلك باللغة نفسها التي يطالب بها.
وأخيراً، يتحدث الكاتب عن وجود خلل ومظاهر يمكن أن يعمل النقد على حلها إلا أن الخوف من الفرز المجتمعي يجعل الناقد يحجم عن ذلك، ولنا أن نسأل الكاتب الفاضل، وبدلاً من هذا المقال وأمثاله الكثير والتي كان ممكناً توظيف المساحة المخصصة لكتاباته بصور أفضل، كم مقترحاً قدمه للعلماء فوجد صدوداً؟ وكم مرة طلب مقابلة مع العلماء فلم يحظ بذلك؟ وإذا كان الكاتب يهدف لتصحيح الوضع، فأتصور أن المجلس يرحب بالمقترحات والنقد البناء، والكاتب قريب من شخصيات المجلس ولا توجد حواجز وموانع تمنعه من التواصل مع المجلس، وحتى لا تكون مقالاته مجرد إثارات صحافية فقط
العدد 1316 - الخميس 13 أبريل 2006م الموافق 14 ربيع الاول 1427هـ