على رغم ما أحدثه إصدار المرسوم بقانون بالعفو الشامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني، من تغيير وتأسيس لمصالحة وطنية على أسس ومعايير لا يختلف على مرجعيتها وأحقيتها أحد في البحرين، فإن تنفيذ ما جاء بهذا المرسوم لم يرق ولا يرقى إلى مستوى قوة التشريع والإرادة التي ساهمت في إصداره، فمن ناحية فإن عدداً غير معروف من موظفي الكثير من الوزارات الحكومية من المواطنين البحرينيين، لم يرجعوا إلى وظائفهم، وان من رجع لم يعوض، وان من تم تعويضه لا يعرف المعايير التي على أساسها تم الحكم له بالتعويض، ولا يعرف قطعاً ما إذا كان هذا التعويض هو ما يستحقه أم لا، ما يطرح اسئلة ذات مستويات متنوعة بشأن المعايير والاشتراطات التي تم بموجبها إقرار هذه الإجراءات استناداً للقانون السالف البيان، فكيف يرجع مواطن إلى عمله ويحرم آخر وفق القانون نفسه وضمن المعطيات نفسها، ولماذا يعوض مواطن أرجع إلى عمله ولا يعوض آخر، بل إن الغريب هو رجوع بعض الموظفين إلى وظائفهم السابقة بعلاقاتهم الشخصية بزملائهم في تلك المواقع نفسها، ولماذا التعتيم وعدم الوضوح في هذه المحطة المفصلية من المشهد الوطني البحريني، وما يزيد المشهد إرباكا، التعاطي الرسمي مع ملف ضحايا التعذيب والشهداء وإنصافهم من الظلم والحيف الذي وقع عليهم، هذا الملف المؤلم للكثير من الضحايا يبقى يكتنفه الغموض على رغم الوضوح الناصع للظلم الذي وقع على ضحايا التعذيب، والمعاناة الأبدية التي يتكبدها أسر وذوو الشهداء وأبناؤهم وأصدقاؤهم، فبجنب هذه المعاناة، فإن القانون وفر حماية وحصانة للمعذبين والمتسببين في التعذيب، وقطع على الضحايا حقهم الأصيل في تقديم الدعاوى والتقاضي، وفقا لحكم الدستور وإعمالاً للعهود والمواثيق والمعاهدات الدولية الملزمة بعدم سقوط قضايا التعذيب بالتقادم، أو أن يشرع قانون يلغي هذا الحق الأصيل للضحية، بل ان من الطريف والمؤسف أن مملكة البحرين صدقت على المعاهدة الدولية الخاصة بمكافحة ومناهظة جميع أشكال التعذيب والأعمال الحاطة بالكرامة الإنسانية، على رغم المعاني الراقية والعميقة لتلك المعاهدة الدولية فإن التصديق عليها ونقضها من الجانب الآخر مثل خرق صارخ لالتزام البلاد أمام الأسرة والشرعية الدولية، أما الأمر المحير فعلاً هو، كيف صمد المرسوم بقانون رقم (10) لسنة 2001م الصادر بتاريخ 5 فبراير/ شباط 2001م الخاص بالعفو الشامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني، أمام كل هذه المآسي والآلام التي ما برح يكتظ بها صدر كل مواطن بحريني، بل هي في ضمير ووجدان الشعب، فاستناداً لهذا القانون تم تنفيذ الكثير من المبادرات والتي تجلت في تطبيق الكثير من الإجراءات التي اعتبرت تاريخية في نضال البحرين الوطني، منها على سبيل المثال العفو عن الكثير من المواطنين المحكومين بأحكام كانت تصل إلى حد الإعدام، وإرجاع الكثير من المفصولين، والتعويض عن سنوات الخدمة للكثير من المعتقلين، ومنح التعويضات المالية للكثير من الذين تعطلوا أثناء فترات الاعتقال وأرجعت لهم حقوقهم الوظيفية والمالية والتأمينية بأثر رجعي، إلا أن المصالحة بأسلوب التقطير لا يمكن أن تداوي جروح الماضي، فعلى رغم كل تلك الإنجازات الوطنية القيمة، يبرز سؤال ملح ومهم وهو لماذا لم يعامل بقية الضحايا مثل أقرانهم من المواطنين؟ ولماذا تبقى بعض الملفات مفتوحة لتسد من خلال المراهنات والمساومات السياسية؟ والسؤال الملح لماذا تم تغييب وقهر الأخوة من العائدين إلى الوطن، وجعلهم يدورون في رحى مفاوضات على غرار مفاوضات أوسلوا للوصول إلى خريطة الطريق، والدخول والمشاركة في لجان وتسويات على رغم أن الملف تم البت فيه سابقاً قبيل فترة التصويت على ميثاق العمل الوطني، فهل يعقل أن الدولة لا تحتكم على المقدرة لتسوية هذا الملف وهذه القضية الوطنية على اعتبارها مسألة إنسانية لمواطنين قضوا زهرة شبابهم بعيدين عن أحضان وربوع البلاد الدافئة، هل تعجز الدولة عن إنصاف هذا العدد البسيط الذي لا يتجاوز ضعف عدد أعضاء مجلسي الشورى والنواب ومجلس الوزراء إن صحت المقارنة، لماذا يعاقب المواطن لأسباب سياسية شاءت الأقدار أن يتم التصالح عليها، أليس من المعيب أن يبقى عدد من المواطنين يعيشون على آمال تمثلت في تصريحات من مصادر رفيعة المستوى (غالبا ما تكون إيجابية الصياغة) تستفيد منها الجهة التي أصدرت التصريح إعلامياً، ويغرق فيها المعنيون من العائدين في اليأس والغربة في الوطن، أليس من حق كل مواطن أن يحظى بفرصة حقيقية تمثل انصياع الجميع لنداء دولة المؤسسات والقانون، لماذا لا تستفيد الدولة من تجارب الدول الأخرى كالشقيقة العربية السعودية التي عالجت ملف المعفو عنهم معالجة عادلة ونهائية من دون التفاوض مع شعبها، ألم تعالج سلطنة عمان الشقيقة مسألة المقاتلين في ضفار من خلال مصالحات تمت في بلاط السلطاني، المغرب الذي شكل لجنة الإنصاف والمصالحة ودعا الشعب إلى نسيان الحقبة السوداء، وكان ذلك على رغم ارتفاع أعداد الضحايا في تلك البلدان التي تصل إلى أكثر من عدة آلاف، أليست تلك دولاً عربية بعضها أقل في المستوى الاقتصادي من البحرين، فلماذا في البحرين هذه البلاد الكريمة بشعبها وعراقتها لا نستطيع أن نسوي أوضاع عدد بسيط ومتواضع جداً، فالمطلبان الرئيسيان هما معالجة الشق المعيشي للعائدين، وتوفير السكن اللائق لهم، فهل هذه مطالب تعجيزية، ألم يتجه كل الشعب للتصويت في شتى المناسبات الوطنية، ألم يؤد الشعب ما عليه من واجبات، أين المشروعات العملاقة والاستثمارات الضخمة التي وجدت في أرض البحرين ملاذا لها، أليس من حق العائدين أن يحصلوا على حقوقهم وهم قريرو عين، لماذا يجب على المواطن البحريني أن يجوب الشوارع في المسيرات وينظم الاحتجاجات في كل أمر، ألم تقتنع الدولة بمسار التفاوض الهادئ والحضاري للعائدين، وما الذي جناه العائدون من جراء هذه المفاوضات، إن استمرار المفاوضات بلا نتائج هو مساس بحقوق العائدين وتحويلهم إلى غرباء في أوطانهم، وإلى أرقام في محاضر ومتاهات في الإجراءات، وإلى ضياع القوة والقدرة على إعادة اتخاذ ذات القرار الذي تم اتخاذه منذ أكثر من 5 سنوات، أليست هذه حالاً من اجترار القرارات لنسيان وتذويب القضايا، هذا إذا ما وضعنا في الاعتبار أنه كان سائداً بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البحرين المعاصر أن هذا الحق - حق العفو - شامل للجميع، وإذ نتساءل اليوم عن ذلك لمرده أن الكثير من المواطنين مازالوا يراجعون ومن ضمنهم العائدون للتغلب على ظروفهم الحياتية فهؤلاء يعيشون على هامش الحياة في ظروف معيشية بالغة الصعوبة، وإنه ليس من الشهامة أو المروءة أو من القيم أن يبقى العائدون في طي الكتمان والنسيان وهم في أوطانهم
العدد 1315 - الأربعاء 12 أبريل 2006م الموافق 13 ربيع الاول 1427هـ