العدد 1315 - الأربعاء 12 أبريل 2006م الموافق 13 ربيع الاول 1427هـ

من يعول على من؟

هيثم مناع comments [at] alwasatnews.com

قبيل صدور بيان «جبهة الخلاص الوطني» صدر تصريح من كل من قطبيها يعطينا التصورين الآتيين:

الأول أنهما دخلا في ملكوت الغيب وعلما بما لا يحق لبشر العلم به، وهو أن العام 2006 هو عام نهاية عائلة الأسد في الحكم في سورية، وأن حدثاً كهذا يتطلب تجهيز البنية التحتية البديلة لإدارة شئون البلاد وعدم الوقوع في فوضى الفراغ السياسي الذي سينجم عن الانهيار الكبير.

الثاني: أن تقييم الأخ أبوأنس (علي البيانوني) لطبيعة المرحلة التي نعيشها يعتمد على ما يمكن تسميته بالإخوان مانيا «الناس يدخلون في حركة الإخوان المسلمين أفواجا في العالم العربي، ويكفي حدوث انتخابات حرة في أي بلد عربي أو إسلامي لتتسلم الحركة مقاليد الأمور».

من هذين التصورين، يمكن، على الأقل من الناحية الحسابية الذرائعية الضيقة، أن نفهم كيف يضحي المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين، بما يمكن تسميته «سنوات الاندماج في الحركة الوطنية الديمقراطية السورية» من أجل تحالف «ضد الطبيعة» مع أحد مهندسي سياسة استئصال الإخوان المسلمين في سورية والمسئول، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن ملفات أساسية للفساد والاستبداد. في اجتماع ليس فيه من كلمة الجبهة إلا الاسم، كونه لم ينجح في استقطاب أي رمز من رموز المعارضة وأية قوة من قواها السياسية والمدنية الفاعلة.

لله والتاريخ، لم تكن مسيرة بناء الجسور بين حركة الإخوان المسلمين والديمقراطيين السوريين سهلة. وكان لحقوق الإنسان والسجن دور مهم في العملية. حقوق الإنسان لأن بعض أسمائها دافعوا عن ضحايا حركة الإخوان ونشأت عبر ملفات القمع علاقات إنسانية وجسور ثقة سمحت بلعب دور الوسيط هنا وهناك بين الحركة الوطنية الديمقراطية في الداخل وحركة الإخوان كتنظيم محصور، لأسباب معروفة، في الخارج. السجن كذلك سمح للضحايا باكتشاف أنهم بشر أولا ومحرومون من الحرية لرأيهم ثانيا، وضحايا تعذيب وتنكيل ثالثا، ومنتمياً لحركات سياسية مختلفة رابعاً.

كانت حركة الإخوان المسلمين تحالفت مع السلطات العراقية في الثمانينات، أي سنوات اعتقال معظم قيادات الحركة الوطنية الديمقراطية داخل سورية، وبالتالي كان ثمة شبه قطيعة بين النضج الداخلي وما يحدث خارج البلاد. وتوافق تبني حركة الإخوان لبرنامج ديمقراطي في ظل دولة مدنية حديثة مع تنامي الحركة المدنية الاحتجاجية داخل البلاد. ويمكن القول، إنه وعلى رغم غياب التنسيق المباشر، جاء إعلان دمشق كلحظة توافق كبيرة بين اللحن السياسي داخل وخارج البلاد وخارجها بين الخطابين العلماني والإسلامي من أجل التغيير.

كانت الإدارة الأميركية دخلت على الخط بعدة تعبيرات طفيلية اعتبرتها ورقة ضغط صالحة لكل زمان ومكان أكثر منه أداة تغيير للسلطة. وفي حين كان الزلزال العراقي فرصة إعادة اعتبار للسلطة السورية التي صارت في الوعي الجماعي صمام السلم الأهلي في وجه الفوضى، جاء الزلزال اللبناني ليغير الأوراق وينقل الأنظار من شرقي سورية إلى غربها.

لكن لبنان ملف معقد، وعلاقة الطبقة السياسية التقليدية اللبنانية بالشعب السوري أكثر تعقيداً، فقد مات الحريري وجل أوراقه في أروقة السلطة في دمشق، وحج الوليد جنبلاط إلى العاصمة السورية حتى ملته غرف انتظار مسئوليها، وماذا أقول في العريضي الذي كان يتجنب أي معارض ديمقراطي سوري في أوروبا خوفا من أن يقال... وبالتالي، المعارضة الديمقراطية السورية تحترم أشخاصا مثل سمير قصير، على رغم خلافها حينا ولقائها أحيانا معه، أكثر بكثير من قدماء المدافعين عن عرين النظام الأمني السوري. وكل هذا تاريخ وسنوات لا يمكن أن تقنع المواطن العادي بأن التغيير في دمشق يمر عبر خدام النظام لأربعين عاماً وعرابيه وراء البقاع خلال ثلاثين سنة؟

يبدو للبعض أن القادر على ذلك، هو الإدارة الأكثر حماقة وتطرفا في تاريخ الولايات المتحدة، فيكفي أن تستقبل الآنسة رايس مسئولا لبنانيا لينصب نفسه سمسارا عابرا للحدود، كما يكفي أن يرحب رامسفلد بمعتقل سابق في أحد مكاتب وزارته، ليظن أن العصيان المدني قد وضع شرارته الأولى «من واشنطن». لقد أنتج الاستبداد الداخلي والاستعباد الخارجي من جهة، تفككاً هائلاً في المعايير والقيم والأوليات النضالية، ومن جهة ثانية غباوة سياسية لا سابق لها تظن أن بابا نويل موجود، وهو ليس مجرد طالب لبناني يتكسب عيشه من استئجار الثوب الأحمر لأخذ الصور مع الأطفال أمام غاليري لافاييت في ليالي العيد في باريس، بل هو ثائر حقيقي، مهدي العولمة الذي سيملأ الأرض حرية وكرامة بعد أن ملأتها الحكومات المستبدة المحلية جوراً وفسقاً.

باختصار شديد، السيدخدام، الذي أمضى أشهره الباريسية الأولى يلتقي الشخصيات اللبنانية التي اعتاد على إهانتها في دمشق، متيقناً بأن رأس السنة الميلادية المقبل سيكون في دمشق وعلى أنقاض عدويه فاروق الشرع وبشار الأسد. وقد أقنع أكثر من شخص بذلك. وبكل الأحوال، فشهادته في قضية الحريري ستكون حاسمة قاصمة.

المشكلة ليست في هذا التهريج السياسي لشخص كان الأجدر به، كما نصح الصديق رياض الترك، أن يعتزل العمل السياسي بعد كل ما فعل. المشكلة أن المعارضة السورية تخسر اليوم وحدة رمزية نجحت في تحقيقها إثر «إعلان دمشق» بعد ربع قرن من الأوجاع. ولا أدري كم سنحتاج، لإعادة جسور الثقة التي ضعضعتها بروكسل

إقرأ أيضا لـ "هيثم مناع"

العدد 1315 - الأربعاء 12 أبريل 2006م الموافق 13 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً