ليست الخيارات السياسية هي المحرك الوحيد الذي يمثل المحرك (الصفوة) للخارجية الأميركية، فقد فشلت تجارب مثل الأرجنتين وروسيا على رغم أنها لم تمر بما يعكر تجربة الاقتصاد الحر سياسياً، راهنت الولايات المتحدة على هذه النماذج لكنها لم تفلح لسبب مازلنا لا نستطيع تفهمه.
الأرجنتين، التي كانت تسمى بالطفلة المدللة للاقتصاد الأميركي لم تستطع الوفاء بتسديد ديونها للبنك الدولي، ما دعا أحد كبار الموظفين في البنك الدولي لتسمية آخر العقود الدولية مع الارجنتين بـ «عقد الطلاق»!
لا يمكن للولايات المتحدة أن تترك الأسواق الكبيرة تتعرض للانهيار، لذلك تدخلت في الارجنتين، لكن ما مدى السيولة التي تحتاجها لإيقاف هذه الازمات في شتى أقطار العالم؟ وتبقى الإشكالات ان الولايات المتحدة لن تمد يدها إلا إلى الحلفاء الاستراتيجيين، وهي تعتمد على تحديد الحلفاء من خلال منظور أمني لما تتشكل صياغته السياسية حتى اليوم، وهذا ما أطلق عليه بعسكرة الاقتصاد، وبمعنى آخر، ان وزارة الدفاع هي من سيحدد أي الدول تستحق الدعم وأي الدول هي خارج الاهتمام بل هي في موقع التهميش أو العداء. وهذا ما أجبر الشركات الأميركية أخيراً على أن تقوم بتوظيف خبراء عسكريين في طواقمها التخطيطية الاستثمارية، بما يعطيها أكبر الضمانات اللازمة لتأكيد أمن الأسواق التي ستتجه إليها، وأنها لن تكون تجارب فاشلة كالتجارب الصينية أو الروسية في الثمانينات والتسعينات، إذ خسرت الشركات متعددة الجنسيات الكثير جراء الانظمة التجارية الصينية، ولاتزال التعقيدات التجارية في روسيا ماثلة في ذاكرة الأميركيين.
هذا النظام الاقتصادي يفرض أجندة أمنية على الدول التي تطمح لتكون مركزاً استثمارياً مالياً في المنظومة الدولية، التي تخضع لمقررات البنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية، واللتين تخضعان أيضا للولايات المتحدة وخططها الاستراتيجية على الصعد الاستثمارية والتجارية.
المحصلة لهذه التعقيدات تفرض على الدول في الشرق الأوسط ألا تطمح لأن تكون دولاً استثمارية ما لم تتحصل على مجتمعات «هادئة» تشجع الأميركيين والعالم اجمع على الاستثمار فيها، وإلا فإن هذه الطموحات لا تزيد عن كونها «وهماً».
السياسي حين يرتبط بالاجتماعي معناه أن دولنا مطالبة بأن تحقق طموحات مجتمعاتها، أي احتقانات سياسية لابد أن تكون تحت السيطرة، وهذا لا يخضع للنظرة التقليدية التي تصور مجمل الحراك السياسي بما يحتويه من مظاهرات أو فعاليات بأنه مانع للاستثمارات. ببساطة، عاملان لابد من مراعاتهما، الاستقرار الاجتماعي ونجاعة النظام الاقتصادي، فلا أمن من دون نجاح اقتصادي، ولا اقتصاد من دون رضا شعبي مقنع تصنعه السياسة
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1314 - الثلثاء 11 أبريل 2006م الموافق 12 ربيع الاول 1427هـ