قد يكون كل ما أنفقته الإدارة الأميركية على «مشروع الشرق الأوسط الكبير» بالإضافة إلى سلسلة اللقاءات والندوات الدولية والسجالات الدبلوماسية التي أفضت إلى المشروع في نسخته الأخيرة المعدلة مجرد إهدار للمال ومضيعة للوقت!
لابد أن نلاحظ أن إدارة الرئيس جورج بوش، ومنذ بدء دورته الثانية، سارعت إلى سبات سياسي مذهل، وقد يكون «الداخل» الأميركي سبباً رئيسياً في هذا السبات الطويل، إلا أن انطفاء الخارجية الأميركية عن تفعيل دبلوماسيتها نحو المزيد من الإصلاحات السياسية في الشرق الأوسط يعتبر خيبة أمل للداخل والخارج الأميركي على حد سواء.
يعتبر خيبة أمل للداخل الأميركي، إذ إن أمن الأميركيين لايزال «غير مضمون»، المجموعات الإرهابية لاتزال نشطة، وليست حملة المداهمات الأخيرة لقوات الأمن السعودية واعتقالها لأكثر من أربعين عنصراً مجهزين بالمال والسلاح إلا دلالة مهمة على أن الخطر لايزال قائماً، وعلى الأميركيين أن ينتظروا مشاهدة ضحايا أميركيين جدد.
وخيبة أمل للخارج، فشتى القوى السياسية كانت استبشرت بمشروع الشرق الأوسط الكبير وما احتواه من دلالات مشجعة على أن المنطقة برمتها ستكون في زحف لا يتوقف نحو المزيد من الإصلاحات السياسية، إلا أن الولايات المتحدة - وقد يكون الوضع في العراق سبباً في ذلك - تراجعت بما لا يدعو للشك في القيام بما تعهدت به.
ما بين الخيبتين تهديد آخر، فالحزب الجمهوري يكاد أن يفقد بريقه السياسي في الداخل الأميركي، وإذا ما صحت التوقعات فإن مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون ستكون خصماً قوياً لا يستهان به.
وعليه، الجمهوريون مطالبون بصناعة بريق داخلي، وهذا السبات السياسي الأميركي مدعاة لتقويض الجمهوريين وطموحاتهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا ما يجعل خيبة الخارجية الأميركية مضاعفة في كل زاوية من زوايا التحليل السياسي.
على كوندليزا رايس أن تزيد من أناقتها السياسية قبال أناقتها في ملابسها، والتي بدأت في الاهتمام بها أخيراً بطريقة فاضحة! فالظاهر لنا أن الدبلوماسية الأميركية تمر بمرحلة ركود سياسي، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى مسألة ثقافية بحتة، فالأميركيون لا يهدرون أوقاتهم ولا يضيعون أموالهم، ولذلك، لم يكن مشروع الشرق الأوسط الكبير مجرد تسلية، أو علاجاً مرحلياً لبطالة سياسية مقنعة تعيشها واشنطن.
الكثير من البلدان في الشرق الأوسط قطعت شوطاً في المسير نحو الديمقراطية، إلا أنها تحتاج إلى المزيد من الضغوط، وعلى الإدارة الأميركية أن تنتهي مما بدأت فيه، فشعوب المنطقة ليست مجبرة على الإطلاق في أن تصدق أن ما نحن عليه في هذه المنطقة هو سقفنا الأعلى من الديمقراطية والحرية
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1312 - الأحد 09 أبريل 2006م الموافق 10 ربيع الاول 1427هـ