العدد 1310 - الجمعة 07 أبريل 2006م الموافق 08 ربيع الاول 1427هـ

مُدن ومُدن

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

المدينة بشوارعها، بلصوصها، بنسائها، بأسرارها وفضائحها، بتجارها ومتسوليها، بمصارفها، وبمجاريها! بأعمدة إنارتها، وأعمدة صحفها، وأعمدة نظامها! بالطامحين فيها والممعنين في اليأس، بطائفييها، والذين على النقيض كأنهم يحرثون البحر، بمفكريها ودجّاليها، بعوزها، واسرافها. ثمة شعور يكاد يكون حاضرا كلما برزت المدينة، يلقي في روعك فكرة/ حقيقة أنها هناك في مكامنها تتأهب لاغتيالك، أو لاستدراجك إلى غوايات لن تخرج منها بأي حس من اللذة أو الانتصار. لكأنها تختزن «ملامح» الغرباء، والباحثين عن فرص عادلة، كي تتمكن من افتراس «أحلامهم» وإدخالهم في حال من الصدمات التي لن تنتهي وإن ولوا الأدبار، وفروا بما تبقى منهم. تاريخ المدن، وإلى يومنا هذا لا ينكر أنها قامت أولا على خلق بُنى ومشروعات تكرّس لمبدأ الاستقرار، لكن أولى خطوات الطريق إلى ذلك الاستقرار، هو البدء بحفلات من التهجير، والمصادرة، وأحيانا الاغراءات التي تكرّس واقع هيمنتها وسيطرتها على مصائر الناس. الطرق تمتد والبنايات الشاهقة ترتفع، وتتقلص الرقعة الخضراء من دون أن تستأذن أي أحد في كل ذلك!

أعرف صحافيا كلما أدمن القراءة، كلما أمعن في تراجعه! فيما هو متراجع أساسا، ولا يمكن لأي مثقف في البحرين أن يجاريه في متابعته لآخر الاصدارات العربية التي تتسابق بعض المكتبات الكبرى على اقتنائها وعرضها. قارئ نهم، والنتيجة: صفر! قادته ظروف السوق الصحافية إلى أن يكون رئيسا لأحد الأقسام في احدى صحف الدرجة الـ 1000! وكان ذلك بحد ذاته، حدثا صحافيا من الدرجة الأولى، لأن امكانات الرجل أقل من متواضعة، وقراءاته ليست عادية، وعلى القارئ أن يحل مثل تلك المعادلة المتناقضة والمضطربة في الوقت نفسه.

لا يمكنك تصنيفه، فهو الشاعر بكل تلاوين الشعر، والناقد، وأخيرا الروائي. فيما لا تجد شعرا في الشعر، هذا عدا عن ألوانه، وستجد «الرصيد صفرا» بدلا من «النقد!»، أما الرواية، فلذلك قصة لن تحتملها مساحة العمود!

أطنان من الكلام... تعمل عملها في فقدان أي نظام لتوازنه... سواء كان نظام الكلام نفسه أو حتى الأنظمة التي من المقرر أن يكون دورها تثبيت حال من الالتزام بقوانين تعمل عملها في جعل الحياة أكثر يسرا وقابلية لأن تعاش ويحتفى بها.

في الكلام العربي أكثر من فرصة للوقوف على طبيعة انسانية كان دورها بالأمس يتحدد في تقديم الأمة... الجماعة... الفرد إلى الآخر... وتقديم ما يؤمن به وما يحلم أن تكون عليه علاقاته بذلك الآخر. أما اليوم فالوظيفة التبست لأكثر من اعتبار، أو لنقل تشعبت لأكثر من اعتبار أيضا. ربما أهم تلك الاعتبارات، نزوع الجماعات العربية اليومية إلى استبدال فعل الانجاز، بفعل الكلام، ما يكشف عن مأزق وجودي وحياتي على أكثر من مستوى، ولم يتأت ذلك الاستبدال إلا مع وصول الطغيان إلى مرحلة بات معها ضرورة لا يمكن للدولة أن تستتب، ولا للمواطن أن يقر أو يراكم ولاءه من دونه - أي من دون الطغيان - وهو طغيان ليس بالضرورة أن يكون محصورا في إمساك السلطة بعصب القوة والأمن والملاحقة، اذ يمكن لذلك الطغيان أن يتسرب في عدد من مفاعيل الحياة العامة، ومؤسساتها بدءا من التربوية منها (الأسرة أنموذج صارخ)، وليس انتهاء بالمؤسسات الدينية التي تقوم في كثير من بنيتها على ملكة الكلام... الخطابة، وإدارة شئون الأمة المنتخبة بوقود كلامي له استرجاعاته واسقاطاته التاريخية التي ليست بالضرورة على وفاق أو اتساق مع اللحظة الراهنة، عدا عن التفكير في ربط التوافق والاتساق بحركة المستقبل

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1310 - الجمعة 07 أبريل 2006م الموافق 08 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً